الحمدانية (سهل نينوى) 964
رحلة طويلة تقطعها الجلود العراقية كل عام من الجنوب إلى الشمال ذهاباً وعودة وفق الخارطة التي يرسمها العم أكرم إيليا يعقوب.. تبدأ من الوسط والجنوب وخاصة واسط حيث يتم جمع الجلود من القصابين وتُرسل بدفعات إلى أقصى الشمال عند أسطوات الفراوي (جمع فروة) في بغديدا والموصل، وتمر بمراحل عديدة لصناعتها بطريقة يقول السكان إنها منقولة عن الآشوريين القدماء الذين بنوا دولتهم في تلك المناطق، واستعانوا بجلود الحيوانات لمقاومة برد الشمال القارس والقتال في الاتجاهات الأربعة لتوسيع الدولة.
ويقول الأسطة الخبير إنه يستخدم في صناعته جلود الخراف على وجه التحديد، ولا يستخدم جلود الماعز، التي تعتمدها الصناعات الجلدية في مناطق كردستان بشكل أكبر.
وبعد أن تنتهي صناعة الفروة التي تستغرق أحياناً شهرين -مع مراحل تجهيز الجلد- تُرسل الفراوي بشكلها النهائي إلى الجنوب من جديد، ليستخدمها الرعاة وغيرهم في البوادي الغربية الممتدة من أقصى السماوة والنجف والأنبار وصولاً إلى ربيعة، ورغم كل الجهود.. يبيع العم أكرم إيليا كل قطعة بأقل من 100 دولار، كما يحرص على نقل الخبرة إلى أحفاده.
ويتلقى العم يعقوب الطلبات من تجار الجملة، على شكل دفعات من 50 قطعة أو أكثر، ويتولى بدء العمل في الصيف، لينتهي من العمل مطلع الشتاء ويبدأ بإرسال البضائع.
وتمر عملية الصناعة بمراحل النقع والتخمير والدباغة والجوزلان والخياطة، ويقول إنه يحب أيضاً صناعة الفراوي الجنوبية مثل “الطرحي” و”القوزي” لكنه يحتاج رأس مال أكبر لشراء مستلزماتها، إذ قد تحتاج الفروة الواحدة إلى ما بين 10 و45 جلداً.
صناعات عراقية:
أكرم إيليا يعقوب – صانع فراوي، لشبكة 964:
أول خطوة أبدأ بها هي جلب الجلود، وغالباً ما آخذها من الجنوب، وبالتحديد من الكوت، ثم أنقع الجلود في الماء نحو 6 ساعات، ثم أضيف لها مادة الشب وأتركها لتتخمر 12 ساعة، وبعد ذلك أبشر الجلد وأنظفه، وأغسله مرة أخرى بماء ساخن وبارد مع مسحوق الغسيل مضافاً إليه الشب والملح.
بعد ذلك أدبغ الجلد بالمحلول الخاص بالدباغة من 6 إلى 8 ساعات، وبعدها أنشره على السطح ليجف، وحين يجهز أبدأ مرحلة “الجوزلان” ليصبح ليناً، وأضيف له الكركم وزيت الدهن، والمرحلة الأخيرة هي الخياطة، وهذه تستغرق قرابة 40 يوماً حتى تصبح الفروة كاملة وجاهزة.
الفروة غالباً يرتديها الرعاة في الجزيرة والرمادي للتدفئة في الشتاء، وتستخدم أحياناً كغطاء وفراش، وأسعارها تتراوح بين 100 و125 ألف دينار، وأحياناً أكثر، فكل فروة تحتاج إلى 10 أو 11 أو 12 جلداً، بحسب حجم الجلد، فكلما كان الجلد أكبر قل العدد المطلوب.
أستطيع صناعة جميع أنواع الفراوي، على سبيل المثال “الطرحي” يُصنع من جلد ثمين، لكن ليس لدي إمكانية لشراء القطعة التي يصل سعرها إلى 15 ألف دينار، إذ يحتاج إنتاجها إلى أكثر من 500 جلد، أما الجلد الذي أستخدمه فيبلغ سعره 2000 دينار، في حين أن جلد “القوزي” يباع الزوج منه بـ7000 دينار، بينما تحتاج الفروة من نوع “الطرحي” في الجنوب إلى 32 – 35 جلداً، بينما في الموصل تصل إلى 42 – 45 جلداً لصغر حجم الجلود هناك.
أغلب الجلود أجلبها من الكوت، العمارة، الديوانية، الناصرية والسماوة، فلدي صديق في الكوت يدعى “دريد” يجمع لي الجلود ويفرز الناعم منها عن الخشن، وأغلب عملي يكون بالجلود الخشنة لأنها أرخص وأسهل، ومعظم الجلود من الماعز لأن جلد الماعز أنسب للباس والفرش.
عملي كله يدوي من مرحلة البِشر إلى الجوزلان وصولاً إلى الخياطة، ولا استخدم أي آلات، لذا أحتاج في الموسم الواحد تقريباً 60 يوماً للبِشر، و60 يوماً للجوزلان، وشهرين للخياطة.
أحرص على تعليم أولادي هذه الحرفة حتى لا تندثر، حتى إن لم يتقنوا الخياطة، يمكنهم العمل في البشر أو الجوزلان أو بيع الجلود، فالسوق يطلبها كفراش أو للسيارات أو للزينة.
عادة أبدأ العمل في نهاية الشهر الثاني أو بداية الشهر الثالث، وأكمل البشر والجوزلان حتى الشهر الخامس، ثم أواصل الخياطة حتى الشهرين الثامن والتاسع، وبنهاية أيلول تكون الفراوي جاهزة للبيع.
تعلمت الصنعة وأنا في العاشرة من عمري، في زمن لم تكن فيه وظائف متاحة كما هو الحال اليوم، وكان من الضروري أن يتعلم المرء حرفة، ورثتها من والدي، ووالدي من جدي، وهي صناعة آشورية متوارثة أباً عن جد، وآمل أن تبقى وتستمر.