"لا توجد دولة عميقة في العراق"
لقد خرجنا من “عنق الزجاجة” بعد تشرين.. الحكيم متفائل بمقبولية الأحزاب في الشارع
964
عبر رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، اليوم الثلاثاء، عن تفائله بوضع البلد، واصفاً العراق بالمريض الذي أجرى عملية جراحية وذويه فرحين بحالته، ولكنه ما يزال طريح الفراش ولا يمكن مقارنته بمن حالته سوية وطبيعية، لافتاً إلى أن حكومة السوداني تحظى بنسبة قبول تصل إلى 70%، أما مقبولية القوى السياسية لدى الشارع 54%، وهو مؤشر جيد بعد النقمة الشعبية في تظاهرات تشرين ضد الطبقة السياسية، مبيناً أن العراق خرج من “عنق الزجاجة”، كما تطرق الحكيم إلى علاقة المركز بالإقليم، والتي قال إنها تتصف بالمرونة، أشار إلى أزمة رئاسة البرلمان، حيث عد الخلافات داخل المكونات حالة إيجابية عكس الخلافات المكوناتية التي تكون أثنية وطائفية.
لماذا تعجز أميركا أمام فظائع إسرائيل.. هيوا عثمان وحوار صريح مع السفيرة
عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة، في حوار خلال ملتقى ميري، تابعته شبكة 964:
بناء الدولة يحتاج إلى مناخ سياسي واجتماعي واقتصادي مستقر، ولكن نحن نفرخ الأزمات حتى بعد سقوط الدكتاتورية، فشهدنا مختلف أنواع الإرهاب والطائفية، غير أننا منذ سنتين نعيش استقراراً نسبياً ولذا بدأت بناءات الدولة تتمظهر على مختلف المستويات، ونعيش مستويات مقبولة من الاستقرار السياسي والتشابك المجتمعي بعد أن كانت المكونات في حالة اشتباك، إلى جانب تحريك الوضع الاقتصادي واستتباب الوضع الأمني فليس لدينا الآن أي تحديات وجودية، ونستطيع القول بأننا بدأنا بالخروج من عنق الزجاجة.
لو أردنا إحصاء السلبيات في العراق لوجدنا الكثير منها، لكن بالنظر إلى ما كنا عليه وما نحن عليه اليوم، فسنرى أننا لم نعش حالة استقرار منذ سبعين عاماً، فالبلاد لم تشهد استقراراً سياسياً منذ سقوط النظام الملكي، وهو اليوم كالمريض الذي أجرى عملية جراحية وذويه فرحين بحالته، ولكنه ما يزال طريح الفراش ولا يمكن مقارنته بمن حالته سوية وطبيعية، مع إننا دخلنا مسار الاستشفاء وننظم أمورنا وصفوفنا بشكل جيد.
كلما وصلنا إلى مرحلة الاستقرار المستدام، ينقل الناس مصالحهم إلى منطقة الاستقرار، ففي حالات انعدام الاستقرار يجتمي الناس بالجماعات وغيرها، لكن مع الاستقرار ينقل الناس مصالحهم إلى الدولة، وهذه العملية لا تحدث بشكل فجائي بل تدريجياً، وعلينا أن نكون صبورين لحين تلاشي التحديات، حيث كنا نعيش تحديات كبيرة ولكنها اليوم اختفت.
هناك صراع محموم بشأن انتخاب رئيس البرلمان، وكل طرف من القوى السنية كان لديه مرشح ويصر على تمريره عبر التحرك على القوى الشيعية والكردية، ولكن ذلك أدى إلى انقسامات أيضاً في الساحتين الشيعية والكردية بشأن المرشح الأفضل، وهذا ما عقد المشهد خلال الفترة السابقة، ونأمل أن يتم حسم الموضوع خلال جلسة الخميس المقبل.
المعادلة في العراق قائمة على الاستقرار السياسي، وهذا يقود إلى الاستقرار الأمني، ويؤدي إلى تنمية اقتصادية ووئام مجتمعي، وأخيراً ينتج انفتاح للبلاد على الإقليم والعالم، حيث تبدأ الدول بالإقبال على بلادنا، ولكن الناس غير مهتمين بمعنى الاستقرار السياسي، وبعضهم يقول ما لنا والسياسيين، فليتفاهموا فيما بينهم، وهذا يشبه السفر عبر الطائرة حيث يهتم المسافرون بالخدمات ومستوى الراحة ولكنهم لا يهتمون لشأن القبطان، فلو مات خلال الرحلة فلا قيمة لكل الخدمات ومستوى الراحة الذي تقدمه الطائرة.
قوانين مثل النفط والغاز أو مجلس الاتحاد وغيرها من القوانين، فهل مشكلتها تكمن في تصويت النواب أم في فلسفة كل قانون منها؟ فقانون النفط والغاز متوقف على فلسفة وكيفية توزيع الثروة خاصة في بلد يعتمد بنسبة 94% على الريع النفطي، وهذا ما يعطل القانون وليس عملية تشريعه، وكذلك قانون مجلس الاتحاد، فهو متوقف على التفاهمات السياسية التي تبني الاتفاقات السياسية والاستقرار السياسي.
لا يوجد كمال لأي أحد، ولكن حكومة السوداني توجت جهود الحكومات السابقة، وعلى المستوى الخدمي فالمنجز أكثر وضوحاً من السابق، ولذا هناك رضا شعبي ملموس عن حكومته، وهذا منجز كبير لائتلاف إدارة الدولة الحاضنة الأساس للحكومة الحالية، وهذا لا يعني عدم وجود ملاحظات، لكن في المحصلة هناك تنمية ملموسة على مستوى الخدمات والاقتصاد والاستقرار السياسي.
حكومة السوداني تحظى بنسبة قبول تصل إلى 70%، مقابل 54% للقوى السياسية، وفقاً لأحدى الإحصاءات، والفارق بين الحكومة والقوى السياسية، أن رئيس الوزراء كان دوماً في الواجهة لقص الشريط، على عكس القوى السياسية المغضوب عليها خلال الفترات السابقة، فتشرين خرجت لنقد هذه العملية برمتها، وكان هناك تحريض واضح على القوى السياسية كلها، لذا فنسبة 54% هي إنجاز كبير مقارنة بالظروف والسياقات التي مرت بها العملية السياسية.
من الصعب القول بوجود “دولة عميقة” في العراق، فإذا قلنا إن المقصود هو القوى السياسية، فهذا طبيعي في الأنظمة البرلمانية، وإذا كان المقصود كبار الموظفين الموالين لرؤساء الوزراء، فمع رحيلهم تبدل الولاء إلى الدولة، ففي المحصلة لا يمكن اختزال العراق ببضعة موظفين يعرقلون هنا وهناك.
نحن نسير ببطء نحو تطبيقات المركزية على مستوى حفظ وحدة البلاد، واللامركزية لناحية الإدارة، وجزء من هذا البطء هو بعض التطبيقات الخاطئة على مستوى المحافظات والإقليم، فبعض الأطراف تمسكت ببعض الصلاحيات، لكن الآخرين يرون أنها صلاحيات اتحادية، فبين فلسفة حكم جديدة وعقلية سياسية قديمة، تكمن المشكلة ولكن نحاول السير للانتقال إلى اللامركزية التي تضمن إدارة جيدة لجميع المناطق، فبعد حل مجالس المحافظات تمددت الحكومة المركزية وقضمت صلاحياتها، وبعد عودة المجالس بدأت تقاتل لاسترجاعها مجدداً.
حكومة السيد مسرور بارزاني أبدت مرونة كبيرة، وقوبلت بمرونة كبيرة من حكومة المركز، وقدم كلا الطرفين تنازلات متبادلة، ولذا تحقق خلال السنتين الماضيتين ما لم يتحقق في عشرين سنة ماضية، ونحتاج أن نسير أكثر في مسار التفاهمات الحالية والعنصر الأساس في هذه العملية هو الثقة، فكلما تعززت الثقة، كلما اقتربت الرؤية.
لم نصل إلى مستوى الطموح في كافة الجوانب، فنحن بلد كبير وبطموحات عالية، وورثنا حضارة 7 آلاف سنة ولدينا موقع جيوسياسي مميز، ولكن بين الطموحات وبين الواقعية السياسية يجب أن يكون هناك تعشيق من نوع معين، لكي نصل إلى المسار المؤدي إلى تحقيق الأهداف.
السوداني هو رئيس الوزراء الوحيد الذي التزم بتطبيق برنامجه الوزاري، ويعيد التذكير به دائماً، ويستعرض مستويات التطبيق خلال جداول وبيانات توزع على أطراف إدارة الدولة وموقعة من 7 وزراء مختلفين بما تم إنجازه، وخلال آخر اجتماع كان حجم المنجز من البرنامج الوزاري قد وصل إلى 72%.
الإطار التنسيقي ليس تحالفاً انتخابياً، بل إطار للتنسيق بين قوى تنتمي إلى ساحة واحدة، ففي انتخابات مجالس المحافظات نزلت قوى الإطار منفردة ثم عادت إلى الإلتئام مرة أخرى، ونناقش حالياً مسألة الانتخابات البرلمانية، وكل الخيارات متاحة، فنحن في قوى الدولة حققنا نجاحاً مهماً في الانتخابات الأخيرة وعنواننا يوفر غطاءً جيداً للنزول بشكل منفرد، أما إذا توفرت تحالفات بشكل أوسع فالمجال متاح للنقاش حول ذلك.
الانتقال من الصراعات المكوناتية إلى الصراعات داخل المكون الواحد أمر إيجابي، فالصراع المكوناتي إثني طائفي، ولكن الصراع داخل المكون الواحد هو صراع سياسي، وهذه حالة طبيعية وتقود إلى التطور وليست مقلقة بالنسبة لنا، ولكن المشكلة المعيقة هي حين يتحول الصراع إلى إثني طائفي.