"مقبرة القناديل" ومأساة الأنفال
فيديو: حوار كردي عربي “يورط” السياب و”شيركو بيكه س”.. سجالات علي بدر وهيوا عثمان
أربيل – 964
احتفى النقاد والقراء في معرض أربيل للكتاب، الذي اختتم مساء السبت، بحفل توقيع كتاب “مقبرة القناديل”، وهو ترجمة عربية لنص شعري وروائي طويل تركه الراحل شيركو بيكه س، وترجمه الكاتب والصحفي هيوا عثمان، كما حظي بمقدمة تحليلية من الروائي والناقد البارز علي بدر، ولوحات حروفية من التشكيلي المعروف ضياء العزاوي، وصدر عن دار المدى العراقية.
وحسب جلسة حوارية مطولة عقدت على هامش معرض الكتاب، وأدارها الناقد أحمد الظفيري، فإن الشعر الكردي المعاصر، ظل يحاول أن يطرح أسئلة “الأنفال”، المأساة الدموية المعروفة في عهد صدام حسين، وينتظر من اللغة العربية أن “تقدم الإجابات”، حين “تزهر القلوب المهدورة”، بين يدي تمثال السياب في البصرة، أو تستنطق الريح والصحراء في سجن “نقرة السلمان” التاريخي أقصى بادية السماوة. إنه أمر يعتبره أنصار الحوار بين العرب والأكراد، بأنه “اعتراف واسترجاع واكتشاف وتقارب بعيداً عن السياسية” حتى لو كان في صميم السياسية.
تعالوا لرائعة شيركو بيكه س.. هيوا عثمان يوقع الطبعة العربية بختام معرض أربيل السبت
هيوا عثمان – كاتب وصحفي، خلال ندوة معرض أربيل:
هذا ليس أول عمل أقوم بترجمته للراحل الكبير شيركو بيكه س، لكنه أول عمل مطبوع، فقد ترجمت له في البداية قصيدة يرثي فيها الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وكان عنوانها “مات قمر وندبته جميع أشعار الدنيا”.
في إحدى صحف كردستان، قرأت قصيدة طويلة لشيركو يرثي فيها محمود درويش، فاتصلت بهيئة تحرير مجلة “الكرمل”، وكان الحقل الأخير فيها مخصصاً لمحمود درويش، حيث ينشر قصائده هناك. حدثتهم عن رثاء شيركو ووعدتهم بإرسالها، وفعلاً قمت بالترجمة وأخذت النسخة إلى شيركو قبل نشرها، وكان راضياً عنها. يومذاك سألته عن رأيه في ترجمة القصائد فقال “إن ترجمة الشعر تشبه القبلة من وراء الزجاج”.
أتمنى أن يقرأ الجمهور كتاب “مقبرة القناديل” هذه الرواية الشعرية الطويلة حول المعنى العميق للأنفال، وأعتذر للقراء عن حجم الألم الموجود في النصوص، لكن هذا تاريخنا، وأتمنى أن تكون الكتب القادمة أكثر تفاؤلاً.
علي بدر – روائي:
شيركو كتب هذا النص بطريقة مذهلة، فقد استخدم مجموعة طبقات، وهذه طبقات من الصعب أحيانا الوصول إليها، في ذات الوقت يمكن أن تترك آثارها على النص بقوة، فقد استخدم كل عناصر الأسطورة، وتحدث عن البطولة، لكنها بطولة لأناس قتلوا، أبطالها فلاحون أكراد، وهنا تكمن عظمة النص الشعري الذي كتبه شيركو.
شيركو أراد أن يعطي ملامح الناس الذين كانوا ضحايا، ولأول مرة نجد الأسطورة تكتب عن أناس فقدوا حياتهم، بطريقة مذلة وجروا إلى وضع كانوا بعيدين عنه، فقد وصف شيركو الأمر في إطار سحري جمالي “باستورالي”، واستخدم كل أشكال المعاناة التي لم تخلد.
شيركو كان لديه وعي كبير بالحوار الثقافي مع العرب، حيث استحضر العرب كقوة موجودة على الأرض، وانا اعتبر هذا النص خالداً، واعتبره أفضل نص كتب حتى الآن لمرحلة معينة من تاريخ العرب والأكراد، فهو لا يتحدث فقط عن الأنفال وإنما ما أعقب الانفال.
تُنشر بالعربية للمرة الأولى.. شيركو بيكَس يكتب سيرته الذاتية شعراً
جمهور العراق يحب الموسيقى أكثر من معارك الأحزاب.. هيوا عثمان في حوار "المدى"
نصوص مختارة:
عند تمثال السياب
في البصرة
قرب تمثال السياب
في حفل رُتبِ التيجان والنجمات
ورقصة البيريهات
وسُكْر المسدس
في تلك الليلة،
سكبوا باقة من سبايا الجبال
في القاعة
القاعة مضيئة
الفتيات مظلمات
تقدمت عدة نجمات تستقر فوق الأكتاف
لتختار من الباقة الحزينة
على الطاولة الثملة
سكين وسلة أجاص
تقدم النجمات
أمسكن بيد وردة خزامى
وأرادوا أن يأخذوها معهم
إلى غرفة فارغة في الطابق الثاني
فجأة وعندما رأت الوردة السكين
أمسكتها وغرستها في أجاصة قلبها
تدفق الدم الأبيض.
على الرصيف خارج القاعة
كانت ورود الخزامى تلتف
حول قامة السياب
وكادت أغصان يديه
ان تثمر أجاصاً.
نقرة السلمان
نقرة السلمان!
صدأ تاريخ قديم
نقطة ظلم بعيدة بعيدة
منزل للنسيان
ذكرى بلا شباك
طاعون مخفي في الرمال
حقد وكره سرمدي!
نقرة السلمان!
قلاع من ألم مسوَد.
ظمأ ابدي
هوية للضياع والظلام
مكان لزمن الغدر
موطئ قدم الظلم
ودعابة الجريمة
نقرة السلمان!
في الشتاء.. برد قارص كالموس
في الصيف .. حرارة لهيب مجعد
مكان لراحة أنين متعب
مكان لنوم الهواء حتى المساء
نقرة السلمان!
تصاميم فارة من فنان
أبنية هاربة من المعمار
أوبئة هاربة من الفرات
حراس من نسل الذئاب
نقرة السلمان!
ريح اليأس قالت:
الصحراء تخجل من نفسها
عندما تقول إنها هي التي بنت تاريخها.