الكوفة تعترف للكاظمية

بركات الحسين تشغل أسطوات النجف وقماش تركيا هو الأبرد على رؤوس الزوار (فيديو)

الكوفة (النجف) 964

مع اقتراب موسم زيارة الأربعين، تتحول ورش خياطة “الجوادر” في النجف والكوفة إلى خلايا عمل لا تهدأ، استجابةً لارتفاع متصاعد في الطلب على السرادق والخيم التي تُستخدم لتأمين احتياجات المواكب المنتشرة على طرق الزائرين إلى كربلاء كأماكن للراحة قبل مواصلة المسير، ويعترف أسطوات الكوفة في حي ميسان أو شارع السكة، أنهم نقلوا أسرار الحرفة عن أساتذتها في منطقة النوّاب وسك الكاظمية، ويقول الخياط مسلم آل الحارس إن عائلته كانت من أوائل الذين نقلوا الصنعة، ويمرّ تصميم الجادر بمراحل عدة، فالعلاقة والتواصل تكون أساساً بين الحداد الذي ينشئ الهيكل، وبين الخياط الذي يصمم القماش ليكون مطابقاً تماماً للقياسات، وتتنوع الهياكل بين “الجملون” و”السداسي” و”الشبح الدائري”، أما الأقمشة فأفضلها على الإطلاق هو المشبك التركي كما يقول الخياطون، وكذلك البلاك الياباني والبلاك آوت الماليزي، وأخرى إيرانية وصينية، إلى جانب أقمشة عاكسة للحرارة مثل “سيلفري” الأبيض، التي تسهم في تخفيف حرارة أجواء الصيف على المتطوعين والزائرين.. ورغم التحديات اليومية المتعلقة بضغط الطلب وشح الكهرباء وارتفاع درجات الحرارة، يواصل الخياطون عملهم لساعات طويلة، يدفعهم إحساسهم بدورهم في إحياء هذه المناسبة، في ظل محدودية البُنى التحتية المخصصة للزوار.

بابا جاء الصيف هيّا إلى الفيصلية.. مسبح عراقي قوي صُنع ف...

بابا جاء الصيف هيّا إلى الفيصلية.. مسبح عراقي قوي صُنع في الموصل (فيديو)

دباغ الشبلاوي – خياط “جوادر” في الكوفة، لشبكة 964:

نعمل على تجهيز السرادق والخيم الخاصة بالمواكب باستخدام أنواع متعددة من أقمشة الظل، أبرزها التركي، والإيراني، والصيني.

تُستخدم هذه المواد من قبل المواكب في طريق كربلاء أو داخل حدود المدينة لتوفير الظل أثناء الطبخ أو الجلوس، للتخفيف من حرارة الشمس.

نحن نقوم بتفصيل كل قطعة حسب مقاسات طلب الزبون، ونخيطها ونسلمها جاهزة، إلا أن هناك تأخيراً طفيفاً حالياً بسبب كثرة الطلبات، لا سيما مع اقتراب شهر محرم، حيث يبدأ الناس بالتجهيز مبكراً لهذا الموسم.

يزداد الطلب تدريجياً حتى يبلغ ذروته في السابع من صفر، ذكرى وفاة الإمام الحسن عليه السلام، ثم تبدأ المواكب بالاكتفاء ويتوقف العمل تدريجياً.

لدينا أنواع متعددة من مواد الظل، منها “البلاك” الياباني والمشبك التركي والإيراني والصيني، لكن الأفضل بينها هو التركي.

جميع الأنواع متوفرة بالأسعار ذاتها، إلا أن فترة الإنجاز تطول لكثرة الطلبات، والزبون يختار ما يناسبه من حيث المادة أو المقاس، فبعض السرادق يصنع من 4 قواعد حديدية، وأخرى من 6، أو 8، أو حتى 10، وهذا يعتمد على احتياج الزبون.

أبسط أنواع السرادق قد يحتاج إلى نصف يوم عمل على الأقل، لأننا نعمل بدقة على المقاسات بحيث يتم تركيب القماش بطريقة لا تحتك بالحديد لتجنب تلفه.

لقد أمضينا في هذا العمل ما يقارب 20 عاماً، وقد بدأت الطلبات في التزايد بشكل كبير، مما اضطرنا إلى تمديد ساعات العمل حتى الليل لتلبية حاجات الناس.

نستورد كميات كبيرة من القماش المشبك، تصل أحياناً إلى 250 أو 300 قطعة، تشمل الجادر والظل، لكننا نواجه تحديات تتعلق بانقطاع الكهرباء المتكرر، حيث تنقطع من المولدة عند الساعة الثامنة والنصف مساءً، ما يؤثر على سير العمل.

نستمر في العمل حتى وقت الظهر أحياناً لتلبية الطلبات، وبعض السرادق الكبيرة تتطلب منا يومين إلى ثلاثة لإنجازها، حسب حجمها، خاصة إذا بلغ طول السردق عشرين متراً أو أكثر.

العملية تمر بعدة مراحل، بدءاً من أعمال الحداد لهيكل السردق، ثم نأخذ القياسات بدقة ونبدأ التفصيل، ونحن نعمل بحسب المقاسات التي يُزودنا بها الحداد ونتولى التنفيذ بكل احترافية.

مسلم آل الحارس – خياط جوادر، لشبكة 964:

خياطة الجوادر هي مهنة قديمة تعود جذورها إلى الأجداد في عشيرة آل الحارس حين نقلوا الصنعة من أسطوات الكاظمية في النوّاب، وكنا من أوائل المتخصصين في هذا المجال.

بدأت خياطة الجوادر للمواكب الحسينية مع انطلاق الزائرين من النجف إلى كربلاء، في وقت لم تكن فيه الحسينيات أو أماكن الاستراحة متوفرة على الطريق، بل كانت هناك فقط بعض الخانات المحدودة، ما اضطر الناس للاعتماد على الجوادر لتوفير الظل والمبيت.

في البدايات كانت الأقمشة تُجلب من باكستان، وكان هناك نوع خاص مقاوم للمطر يُستخدم في فصل الشتاء، وأقمشة أخرى أخف تُستخدم صيفاً، ومع تغير المواسم كانت الأسعار تختلف تبعاً للعرض والطلب.

بمرور الوقت توسع العمل وبدأ الأبناء والأحفاد والإخوان بممارسة المهنة، وانتشرت في النجف والكوفة والمناطق المحيطة بهما حتى أصبحت شائعة جداً.

في البداية كنا نخيط خيماً جاهزة تشبه تلك العسكرية، ولكن لاحقاً بدأنا نصمم الجوادر حسب الأقواس المستخدمة في البناء، مثل الأقواس السداسية والشبح الدائري أو أقواس الجملون، ويتم التفصيل وفقاً لنوع القوس المطلوب، بما يتناسب مع حجم السردق وهيكله الحديدي.

الأقمشة المستخدمة تطورت كذلك، فإلى جانب القماش الباكستاني القديم، أصبحنا نستخدم قماش “بلاك أوت” ماليزي الذي يمتاز بوزنه المتوسط، لكن أسعاره متذبذبة حيث ترتفع عند زيادة الطلب، خصوصاً في موسم عاشوراء.

نستخدم أيضاً أقمشة أخرى مثل “السيلفري” الأبيض الذي يعكس الحرارة، وهو مفضل في المواسم الحارة، لأن القماش الأسود يمتص الحرارة، بينما الألوان الفاتحة تعكسها وتوفر برودة نسبية تحت الجادر.

هناك سرادق بطول عشرين متراً قد تحتاج إلى عشرة أو أحد عشر قوساً، وقد فصلنا مؤخراً جادراً بطول 13 متراً، وهو ضخم ويحتاج إلى جهد خاص، وبعض الجوادر تُجهز للإيجار وتكون بعدد محدود، وغالباً بمقاسات محددة مثل ثمانية أمتار.

تستغرق خياطة جادر واحد من 15 إلى 16 ساعة، متقطعة على مدار يومين تقريباً، بسبب قلة الأيدي العاملة الخبيرة، بسبب كون هذه المهنة موسمية، ويكثر العمل فيها في شهري محرم وصفر، وكذلك ذي الحجة حيث تبدأ التحضيرات من منتصفه استعداداً لعاشوراء.

تزايد الطلب على الجوادر بسبب تزايد عدد الزائرين سنوياً، ما يجعل الحسينيات والجوامع غير كافية، فيتم تعويض النقص بنصب الجوادر، لأنها أقل تكلفة من البناء وأكثر سرعة في التركيب.

حتى الآن قمت بخياطة نحو 12 جادراً، لكن الطلب بلغ ذروته هذه الأيام، ويستمر حتى السابع من صفر، ثم يبدأ بالتراجع تدريجياً.