هيت (الأنبار) 964
نواعير هيت في الأنبار تعتبر نموذجاً مبكراً لتقنيات ري طورتها المجتمعات القديمة لمواءمة طبيعة البيئة المحيطة، وتعود أصول استخدامها إلى العصر الأكدي والبابلي، وفق ما أورده مؤرخون عراقيون، حيث ظهرت النواعير حينها كحل عملي لتجاوز تضاريس الفرات الصخرية التي تعيق استخدام وسائل الري التقليدية، حيث تعمل على رفع المياه من عمق النهر بواسطة أوانٍ فخارية تعرف بـ”القوق”، وتركب على هيكل دائري يدور بفعل التيار المائي. وحتى يضمنوا دوراناً سريعاً كانوا يصنعون جداراً صخرياً داخل النهر يوجه المياه نحو الناعور بشكل مركز، والجدار يعرف بالسكور (السدود)، ويوضع الناعور على قاعدة حجرية تحمل دعامتين خشبيتين لضمان توازنه واستمرارية دورانه، وبعد امتلاء الأواني الفخارية بالماء، تفرغ محتوياتها عبر شبكة من السواقي التي توزع المياه إلى البساتين حسب نظام زمني متفق عليه بين المزارعين.. ويشارك في صناعة الناعور جميع أفراد المجتمع المحلي، من الرجال العاملين في النجارة إلى النساء اللواتي ينسجن الحبال من سعف النخيل، إضافة إلى مساهمة الأطفال في تأمين متطلبات العمل اليومية.
أسطوات هيت يحاولون نقل صنعة النواعير إلى الأجيال.. لكن لم يحضر سوى 5 شبان!
شاهد: لحظة دوران نواعير حديثة مجدداً.. 3 محترفين يتحدون انخفاض مياه الفرات
جمال الهيتي – رئيس جمعية هيت للتراث والثقافة، لشبكة 964:
أعتقد، وحسب المصادر التاريخية ومنها ما أورده المؤرخ العراقي أحمد سوسة، أن الأكديين هم الذين اخترعوا الناعور منذ أكثر من 2500 عام قبل الميلاد، إذ كان الناعور امتداداً لاختراعهم للعجلة والدولاب الدوار.
ظهرت الحاجة لاستخدام النواعير بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة، خاصة من القائم حتى حدود العكبة، حيث لا تسمح الصخور وعمق المياه باستخدام طرق الري التقليدية، مثل “جرد ناعور” الذي يُدار بواسطة الحيوانات كما في وسط العراق، أو نظام المد والجزر كما هو الحال في البصرة.
لم يكن الناعور يصنع من قبل شخص واحد، بل شاركت في بنائه جميع فئات المجتمع، من الرجال والنجارين في العمل الخشبي، والنساء في صناعة الحبال من سعف النخيل، والأطفال في نقل الطعام والشاي للعمال.
يصنع الناعور بالكامل من الأخشاب والجريد والحبال، دون استخدام أي مواد صناعية، ويركب على قاعدة تُسمى “دالية”، تقابلها دالية أخرى لضمان التوازن، ويثبت على مسند حجري ويدور بفعل التيار المائي.
وظيفته الأساسية نقل المياه من النهر إلى الأراضي الزراعية، عبر أوانٍ فخارية تُعرف بـ”القوق”، تتوزع على محيط الناعور وقد يزيد عددها أحياناً على 100 إناء، وبعد امتلائها، تفرغ الماء عبر السواقي الرئيسية، ليُوزع بعد ذلك إلى البساتين.
كانت الشراكة الزراعية جزءاً أساسياً من تشغيل الناعور، إذ يُقسم الماء بينهم على مدار اليوم حسب عدد الاخشاب والادوات التي ساهموا بها في بناء الناعور.
فيديو لسائح صيني: العراق أحلى من فيسبوك وآكل وأنام مجاناً في هيت (فيديو)
فيديو: بروفسور إيطالي يعشق الفرات ومغارات “حديثة” ويتبع النواعير حتى دلتا البصرة
حاتم طلب – سائح من الفلوجة، لشبكة 964:
النواعير في الأصل هي أنظمة لري الأراضي، ونتيجة تطور الأنظمة الحديثة، تحولت اليوم إلى معلم تراثي وسياحي يقصده الناس من مختلف مناطق العراق.
هيت مدينة نعتز بها وبتراثها، وهذا المعلم لا يُعد جزءاً من تاريخها فحسب، بل من هويتنا العراقية.