الموصل القديمة (نينوى) 964
لم يكن آل الجليلي مجرد أسرة حاكمة مرت على الموصل، بل ركناً من تاريخ المدينة وصمودها بوجه حصار نادر شاه القادم من الشرق، كما يقول الأحفاد، حيث عملت الأسرة على تأليف قلوب أهل المدينة من جميع مشاربهم وطوائفهم، ورغم أن العائلة تنحدر من مدينة ديار بكر، إلا أن جميع الأحفاد غادروا تركيا، وعاشوا في الموصل وبغداد وبعض دول المهجر، واشتهرت الأسرة بخبرتها التجارية والإبحار عبر دجلة، ثم في الحكم والعمران والعلم، وعلى مدى قرن أي منذ عام 1725 وحتى 1834، حكم الجليليون الموصل كولاة عثمانيين، لكنهم أداروها بعقلية محلية جذرها في المدينة وفرعها في الدولة على حد وصف مؤرخين، وتركوا إرثاً عمرانياً وتعليمياً ودينياً بدءً من جامع الأغوات وجامع الباشا، وحمام القلعة وخان الصالحية، وقائمة طويلة من الآثار التي ما تزال شاخصة حتى يومنا هذا، إلى جانب ضريح حسين باشا وموقفه المشهود بوجه الحصار، إلى آخر حفيد يروي سيرة الجد الأول عبد الجليل آغا.
عن العشائر في العراق أيضاً
عن الملل في العراق:
سعود الجليلي – أحد أحفاد الأسرة الجليلية، لشبكة 964:
نحن عائلة تعود أصولها إلى قبيلة تغلب، ونسبُنا ينحدر من عبد الجليل آغا التغلبي، الذي جاء من مدينة “حصن كيفا” في ولاية ديار بكر التركية إلى الموصل، وعمل فيها تاجراً أواسط القرن السابع عشر.
كان يدير التجارة النهرية بين ديار بكر وتكريت، وكان له 7 أبناء يزاولون التجارة في الموصل وما حولها، حتى تولى ابنه إسماعيل باشا حكم الموصل سنة 1725، ليكون أول حاكم في العهد الجليلي، وقد حكم لسنة واحدة فقط، ثم خلفه ابنه حسين باشا، وتعاقب بعده على الحكم 16 والياً من أحفاد إسماعيل وحسين باشا.
كانت الأوضاع الاقتصادية آنذاك متردية، فبادر إسماعيل بدفع الضريبة المفروضة على المدينة للدولة العثمانية، وهو ما دفع العثمانيين لتعيينه والياً على الموصل كمكافأة له.
في عام 1743 م، شهدت الموصل حدثاً مفصلياً تمثل في حصار نادر شاه لها، والذي دام ما بين 40 إلى 60 يوماً بحسب روايات المؤرخين، ولو تمكن من دخول المدينة لسقطت الدولة العثمانية، إذ كان الطريق إلى إسطنبول سيغدو سالكاً أمام جيوشه، لكن صمود الموصل، بجميع أديانها وطوائفها شكل منعطفاً تاريخياً.
خلف الجليليون آثاراً عمرانية شملت الجوامع والمدارس الدينية مثل مدرسة يحيى باشا الجليلي ومدرسة حسن باشا، بالإضافة إلى خان الكمرك وخان قاسم آغا وخان الصالحية وخان عبيد آغا، وحمام القلعة وحمام عبيد آغا، كما يعتبر جامع الأغوات أقدم جوامعهم يليه جامع الباشا.
أضرحة حسين باشا وولده غازي وحفيده سليمان، والحاج بك الحيائي ابن سليمان باشا، وعثمان باشا ابن الحاج بك، كانت قد تعرضت للهدم خلال فترة سيطرة تنظيم داعش، ثم أعيد ترميمها بدقة، بما في ذلك الأشعار والأدعية المنقوشة بخطوط عربية متنوعة، وقد أعاد كتابتها الخطاط محمد عبد المطلب.
أما الدكتور أحمد توحلة، فقد أشرف على تجميع القطع الأثرية المكسورة وإعادة لصقها، واستغرق العمل 3 سنوات، لتعود الأضرحة إلى شكلها الأصلي.
لا توجد أي عائلة من آل الجليلي تقيم حالياً في تركيا، فجميعهم يقيمون في العراق، وتحديداً في الموصل، وبعضهم في بغداد، في حين هاجرت بعض العوائل إلى لندن والنمسا.
حسين باشا أعاد ترميم جامع النبي جرجيس وأضاف إليه مصلى الشافعية، كما أعاد إعمار جامع النوري الكبير بعد أن تُرك مهجوراً بسبب الطاعون، وقد شجعه أحد المدرسين على ترميمه، فأضاف مدرسة في قاعدة مئذنة الحدباء عُرفت بالمدرسة الجليلية.
كذلك بنى أحمد باشا جامع النبي شيت وجعله وقفاً له، بينما بنى محمد باشا جامع الزيواني، وبنت مريم خاتون ابنة محمد باشا جامعاً يحمل اسمها.
سكن الباشوات الجليليون في الموصل القديمة، لا سيما في مناطق إمام عون الدين، الرابعية، وشُهُر سوق.
أما نعمان باشا فقد أقام قرب منطقتي السرجخانة والنعمانية، التي سميت باسمه، وكانت للعائلة قصور اصطياف في منطقة البوسيف قرب مطار الموصل حالياً.
محمود صالح – أكاديمي وباحث في التاريخ، لشبكة 964:
كان لبيت الجليلي دور بارز في النهضة العمرانية والاقتصادية في الموصل حتى قبل تولي الحكم، وأول أعمالهم كان جامع الأغوات الذي بناه الإخوة الثلاثة حسين وإسماعيل وخليل عام 1702 م، إلى جانب بناء الأسواق والخانات والدكاكين.
من أبرز معالمهم جامع الباشا الذي بُني عام 1756 م على يد حسين باشا، وهو ليس مجرد مكان للعبادة، بل يضم مدارس دينية ومكتبات كانت تقدم خدماتها لسكان الموصل وللطلبة الوافدين من خارجها لتلقي العلوم الشرعية والأدبية.
شهدت الموصل في القرن الثامن عشر حصاراً شديداً من قبل نادر شاه، الذي بدأ من منطقة يارمجة في الجانب الأيسر، وطالب نادر شاه أهل الموصل بالاستسلام، وحاصر المدينة بثلاثمئة ألف مقاتل وأمطرها بمئتين وخمسين ألف قذيفة.
ما ميز هذه الحقبة التاريخية هي أن أهالي الموصل دافعوا وحدهم عن مدينتهم، دون أي دعم من الدولة العثمانية آنذاك، حتى أن القرى المحيطة من المسيحيين والأكراد، لجأت إلى المدينة واحتمت بها، وشارك الجميع في الدفاع عن أم الربيعين.