دعوة من الباحث إحسان المفتي

نعى أربيل أيام المغول.. تمثال ابن المستوفي لا بد أن يعود إلى القلعة

964

أطلق إحسان رشاد المفتي، وهو باحث بارز مهتم بالتراث الثقافي في أربيل، دعوة لإعادة تمثال المؤرخ والأديب الكبير ابن المستوفي الأربلي إلى موقعه الأصلي على بوابة القلعة التاريخية، بعد أن تم نقله قبل 11 عاماً إلى حديقة بالقرب من منارة جامع مظفر الدين، وهو يقول في شرح تاريخي موجز خص به شبكة 964، إن الوقت حان لإعادة هذه الشخصية إلى مكانها الطبيعي أمام بوابة القلعة حيث كان شاهداً على تهديدات المغول لها، ووثق ذلك بأشعار ونصوص بقيت في ذاكرة الباحثين والمثقفين، منذ أواخر العهد العباسي، ولا مبرر لبقاء النصب المهم منزوياً في حديقة معزولة على طرف المدينة القديمة.

فيديو: منارة أربيل لن تنهار.. مائلة 80 سم ومن عصر صلاح الد...

فيديو: منارة أربيل لن تنهار.. مائلة 80 سم ومن عصر صلاح الدين الأيوبي

صور: دخول قلعة أربيل لن يكون مجاناً.. نهاد لطيف يفصّل تر...

صور: دخول قلعة أربيل لن يكون مجاناً.. نهاد لطيف يفصّل ترميم الموقع الأثري

إحسان رشاد المفتي، لشبكة 964:

ابن المستوفي الأربلي، المعروف بشرف الدين مبارك بن أحمد بن مبارك بن موهوب اللخمي الأربلي، أحد أبرز الشخصيات التاريخية والثقافية لمدينة أربيل. ولد فيها عام 564 هـ (1168 م) وتوفي سنة 637 هـ (1239 م)، وعاصر فترة حاسمة من تاريخ المنطقة. تولى منصب “الاستيفاء” وهو منصب إداري رفيع يعادل وزير المالية في وقتنا الحاضر، واشتهر بدوره الكبير في الحياة الثقافية والإدارية للمدينة.

كتب عن 2000 شخصية

لقد برع ابن المستوفي في مجالات متعددة، فهو مؤرخ وأديب وشاعر وفقيه، وترك لنا إرثاً ثقافياً ثميناً أهمه كتابه الشهير “تاريخ أربيل” الذي يُعد من أهم المصادر التاريخية عن المدينة، ويحتوي على تراجم لأكثر من 2000 شخصية من علماء أربيل وأدبائها. كما ترك لنا ديواناً شعرياً غنياً يعكس براعته في اللغة العربية وموهبته الشعرية الفذة، وقد خلّد فيه ذكرى الأحداث الجسام التي مرت بمدينتنا العريقة”.

عاش ابن المستوفي في فترة عصيبة من تاريخ المنطقة، حيث شهدت مدينة أربيل موجات متعددة من هجمات المغول في ثلاثينيات القرن الثالث عشر الميلادي. وعلى الرغم من أنه توفي سنة 1239 م، قبل سقوط بغداد بيد المغول، إلا أنه شهد بدايات هذه الهجمات على أربيل منذ عام 1234 م. وقد اضطر إلى مغادرة مدينته والانتقال إلى الموصل هرباً من تلك الحملات.

قصيدة مؤثرة عن خراب المغول

وثّق ابن المستوفي في قصائده الرائعة مأساة مدينة أربيل إثر هجمات المغول المتكررة، وكيف أصبحت المدينة خراباً بعد أن كانت مركزاً مزدهراً للعلم والثقافة. وتعكس قصائده حجم الألم والحسرة التي شعر بها تجاه مصير مدينته، ومن بين هذه القصائد رثاء شهير يقول فيه:

حَيّا الحيَا وَطَناً بإربل دارساً

أخنَت عليه حوادثُ الأيّامِ

أقوَت مرابِعُهُ وأوحشَ أُنسُهُ

وخَلَت مراتعهُ من الآرام

عُنِيَ الـشتاتُ بأهله فتفرقوا
أيدي سَبا في غير دار مقام

إن يُمسِ قد لعبت به أيدي البِلى
عافي المعاهد دارسَ الأعلام

فلكم قضيتُ بـه لُبانات الصِّبا
مَعَ فِتيَةٍ شمِّ الأنوفِ كرامِ

هذه الكلمات تعكس عمق انتماء ابن المستوفي لمدينته وحزنه على ما آلت إليه.

إن نقل تمثال هذه الشخصية التاريخية من موقعه الأصلي على بوابة قلعة أربيل، التي شهدت صمود المدينة أمام هجمات المغول، إلى موقع ثانوي في حديقة بالقرب من منارة جامع مظفر الدين، يمثل تجاهلاً لقيمته الرمزية والتاريخية. فمكان التمثال الأصلي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأحداث التي عاصرها وسجلها ابن المستوفي.

القلعة بيته القديم

إعادة التمثال إلى موقعه الأصلي ليست مجرد خطوة رمزية، بل هي واجب تجاه تاريخنا وثقافتنا، وتأكيد على أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية للمدينة. فابن المستوفي يستحق أن يعود إلى بيته القديم، إلى القلعة التي دافع عنها أهل أربيل ببسالة أمام هجمات المغول في القرن الثالث عشر.

أناشد المسؤولين في إدارة المدينة والمهتمين بالتراث الثقافي النظر بجدية في هذا الأمر، وإعادة تمثال ابن المستوفي إلى موقعه الأصلي على قلعة أربيل؛ احتراماً لتاريخنا وتقديراً لهذه الشخصية الفذة التي خلدت تاريخ مدينتنا العريقة.