محكوم بالكودات والوسطاء
عالم مريدي الغامض: كل شيء رخيص في سوق الخضار والهواتف والشعوذة والتزوير
بغداد – رامي الصالحي
يمثل سوق “مريدي” أحد أقدم الأسواق الشعبية في جانب الرصافة ببغداد، ويقع في مدينة الصدر شرقي العاصمة.
ويعود تأسيس هذا السوق إلى حوالي 10 أعوام بعد إنشاء مدينة الصدر، وتحديداً في العام 1972، في عهد رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم قاسم، إذ اطلق عليه تسمية “سوق مريدي” نسبة إلى صاحب أول دكان هناك، ويدعى مريدي اللامي.
يمتد السوق على مسافة أكثر من كيلومتر ونصف، وتُباع فيه سلع مستعملة متنوعة ومواد احتياطية وأدوات منزلية مختلفة، بالإضافة إلى المواد الغذائية، أما الباعة فيه، فأغلبهم من الطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود.
أسرار خفية
يروي المواطنون قصصاً مختلفة عن سوق مريدي وحقيقة ما يدور في كواليسه خفية، على مر الأزمنة والحقب منذ تأسيسه حتى اليوم، فبعض الروايات تشير إلى كونه مرتعاً للمزورين وتجار الأسلحة، فيما تذهب روايات أخرى أبعد بوصفه بؤرة للسحرة والمشعوذين وحتى القتلة المأجورين.
يقول أبو علي، وهو من سكنة مدينة الصدر، إن “السوق يعد ملاذاً مهماً بالنسبة للفقراء سواء كانوا زبائن أو باعة، ويمكن العثور على كل شيء في هذا السوق الذي يبيع في العلن أدوات مستعملة وملابس وهواتف وادوات منزلية وحتى أدوية، لكنه في الخفاء يعتبر بؤرة كبيرة للمزورين وبائعي الأسلحة والسحرة والمشعوذين”، موضحاً أن “المواطن العادي لا يستطيع الوصول إليهم إلا عن طريق وسطاء معرفين بالنسبة لهم”.
ويضيف أبو علي ذو ال64 عاماً، لشبكة 964، أن “السوق يضم أيضاً أشخاصاً يبيعون المخدرات ويتاجرون بالأعضاء البشرية”، مشيراً، أن “الأجهزة الأمنية بجميع مسمياتها لديها كافة المعلومات حول ما يوجد في السوق إلا أنهم لا يستطيعون تنفيذ أي عملية أمنية كونه محمي من عصابات خطيرة”.
من جانبه يقول حسين جاسم، وهو من سكنة حي القيارة في مدينة الصدر، إن “سوق مريدي هو مركز بيع السلاح في العراق، بلغ ذروة نشاطه منتصف التسعينات، وخلال فترة الحرب الأهلية عام 2005”.
ويحظى السوق بشعبية كبيرة لدى العراقيين لما يحتويه من الآلاف السلع المختلفة التي تتغير في صباح كل يوم، ما جعل أسمه يستغل لإنشاء مواقع وصفحات الكترونية على الانترنت ك “سوق مريدي للسيارات وسوق مريدي للسلاح”.
رموز وكودات للتواصل
ويقول أبو كاظم، وهو أحد بائعي الملابس في سوق مريدي، إن “سمعة التزوير التصقت بالسوق، منذ عهد النظام السابق حيث كان المزورون في ذلك الوقت يزيفون الاوراق الرسمية ودفاتر الخدمة العسكرية، فضلاً عن المستمسكات الثبوتية”.
ويضيف أبو كاظم، لشبكة 964، أن “قضية التزوير تطورت بعد العام 2003، حيث بدأ المزورون بعمل جوازات سفر عراقية وحتى عربية، فضلاً عن تزوير تأشيرات السفر العربية والأجنبية، وقد تمكن المئات من السفر إلى الخارج عن طريقهم جوازت سفر صنعت في مريدي”.
ويتابع أبو كاظم، أن “العثور على هؤلاء المزورين ليس صعباً، فيمكن لأي شخص البحث عنهم وإيجادهم فهم موجودون وبشكل كبير جداً داخل أزقة السوق”، موضحاً أن “هناك أشخاصاً موزعين في السوق يعرضون خدمات التزوير على المارة بشكل علني”.
وبشأن طريقة العثور على الأسلحة والمخدرات، يوضح أبو كاظم، أن “الوصول لتجار المخدرات والأسلحة صعب نسبياً ولا يمكن إلا عبر وسطاء يمتلكون رموزاً وشفرات توصلهم إلى منابع هذه التجارة الخفية”.
وتعد مدينة الصدر من المناطق الأكثر اكتظاظاً حيث يقدر عدد سكانها بأكثر من 3 ملايين شخص من أصل 8 ملايين و750 ألف نسمة في عموم بغداد، ما يمثل نسبة 47% من مجمل تعداد السكان في العاصمة، وفقاً لتقديرات العام 2021.
ما دور الأجهزة الأمنية؟
حاولت أمانة بغداد مرات عدة خلال السنوات الماضية، إزالة السوق لمرات عديدة على خلفية الزحام الذي يؤدي إلى قطع الشارع الرئيس (شارع الجوادر) في المنطقة لكنها لم تتمكن، فيما لم تفلح مساعي وزارة الداخلية في السيطرة على أنشطة سوق مريدي الخفية.
يقول ضابط رفيع في وزارة الداخلية لشبكة 964، إن “الوزارة وجميع الأجهزة الأمنية لديها معلومات كاملة عن ما يباع في سوق مريدي، لكن هناك صعوبة حقيقية في العثور على تجار المخدرات والمزورين وباقي المطلوبين”.
ويضيف الضابط الذي أشترط عدم الكشف عن هويته، أن “هؤلاء المطلوبين يقطنون في منازل سكنية ويسكنون مع عائلاتهم ولا يتخذون مواقع معينة يمكن مداهمتها وبالتالي يجعل قضية اعتقالهم وملاحقتهم أمر شبه مستحيل بالنسبة للقوات الأمنية”.
وحول وجود فصائل مسلحة تفرض سيطرتها على السوق، يؤكد الضابط أن “هناك عصابات مسلحة لا تُعرف هويتها الحقيقية ولا الأشخاص المنتمين لها، تحمي هؤلاء المطلوبين وهذا ما يعيق تنفيذ أي عملية أمنية هناك”، مبيناً أن “السوق يبدو طبيعياً من الظاهر إلا أنه يضم خفايا وأسرار كبيرة”.
ويمتاز سوق مريدي بشعبية كبيرة ويرتاده المئات يومياً، ما جعله عرضة للهجمات الإرهابية على مدار ال20 عاماً الماضية أبرزها في 2009، عندما هوجم بدراجة نارية مفخخة، واستشهد إثره 72 شخصاً وأصيب 127 آخرين، فيما كان آخر التفجيرات في العام 2016، بسيارة مفخخة خلفت 70 شهيداً وأكثر من 100 جريح.