استعرض تاريخ الدينار منذ 1932
عبد المهدي: الدولار لا يذهب لإيران المحاصرة بل مصارف الغرب ودبي وأبو ظبي
بغداد – 964
تحدث رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، الثلاثاء، عن أسباب ارتفاع الدولار، مبيناً أن الاعتماد على النفط والاستيراد على حساب الاقتصاد والإنتاج المحلي سبب رئيسي لتدهور الدينار، فضلاً عن رفع البنك الفيدرالي أسعار الفائدة، وفيما أشار إلى أن التهريب، وغسيل الأموال، والعقوبات على إيران، أسباب قائمة، لكنها تحتل مرتبة أدنى، أكد أن الجزء الأعظم من خروج العملة يتم تحت غطاء القوانين الهشّة والتعليمات المتضاربة، والمعاملات التي يسهل شرعنتها “تزويرها وفسادها” وإعطاءها الصفة القانونية، وإن وجهتها الأساسية ليست إيران، بل مصارف الغرب والشرق ودبي وأبو ظبي، وغيرها.
ونشر عبد المهدي تدوينة على صفحته الشخصية بهذا الصدد تابعتها شبكة 964، تالياً نصها:
كتبت قبل أيام عموداً بعنوان “الدولار، ضريبة الأغنياء على الفقراء”، أعدت أسباب ارتفاع الدولار لعاملين رئيسيين: وطني، لاعتمادنا على النفط والاستيراد واهتمامنا بالموازنة على حساب الاقتصاد والقطاعات الحقيقية، وعالمي، بسبب رفع “الفيدرالي” أسعار الفائدة، وقد وردت تعليقات وأسئلة أهمها:
1- إن الكلام عن ارتفاع سعر الدولار بسبب رفع “الفيدرالي” غير صحيح، بدليل ثبات أسعار عملات دول الخليج؟
والجواب، إن ثبات أسعار عملات الخليج يعود لطبيعة أنظمتها النقدية، أي “Pegged Currencies” (العملات المرتبطة)، أي ارتباط العملة الوطنية بسعر صرف ثابت لعملة دولة أخرى، فتتحرك صعوداً وهبوطاً بحركتها، ويوجد من هذه الدول والاقتصاديات المرتبطة بالدولار حوالي (20) دولة واقتصاداً، وحوالي (30) بعملات أخرى، ولعل سائل يسأل لماذا لا نتبع هذا النظام؟ وجوابنا، إن العراق اتبع هذا النظام، بعد إصدار الدينار العراقي في (1932) وربطه بالجنيه البريطاني حتى (1959)، وخروج العراق من منطقة الاسترليني، إذ يعتبر كثيرون -ونحن منهم- بأن مثل هذا الارتباط ينتقص السيادة، فلا كلمة لنا في إدارة العملة التي نرتبط بها. بل هذا هو حالنا الآن مع “الفيدرالي” وهيمنة الدولار، وإن من يدعو لهذا الخيار عليه أن يحسب الأضرار البعيدة وليس المنافع القصيرة فقط، فالدولار مثلاً انخفض بعد أن تخلى عن قاعدة الذهب في (1971) وليومنا هذا أكثر من (60%) من قيمته، فخسر أمام المارك الألماني (65%)، وأمام السويسري (74%)، و (76%) أمام الين الياباني، وقس على ذلك، كما خسر منذ (1933) حوالي (92%) من قدرته الشرائية داخلياً، فيقترح الاقتصادي القدير مظهر محمد صالح سلة عملات في احتياطياتنا، لتعوض العملات الصاعدة خسائر العملات الهابطة.
إن من يتبنى هذا النظام يجب أن يمتلك احتياطات هائلة، وهو حال دول الخليج، أو أن يحتضن الاقتصاد الأم، الاقتصاد التابع كلياً. لأنه لن يكون بمقدوره الدفاع عن سعر الدولار ما لم يضحي بمبالغ عظيمة من احتياطاته المالية، وقبل تغيير 2003 كان هناك سعر صرف ثابت للدينار، لكنه انهار بسبب انهيار احتياطات البلاد، كما إن قوة العملة ليست بالضرورة هدفاً ثابتاً، فكثير من الدول تتبع سياسة “العملة التضخمية” و”التمويل بالعجز”، بل وتُخرج عملتها كلياً من سوق المضاربات، وهذه سياسات لا يمكن القول بايجابيتها أو سلبيتها إلا في إطار الأوضاع الواقعية التي تعيشها البلدان والاقتصاديات المختلفة، وعليه فإن “العملات المرتبطة” و”سعر الصرف الثابت” وغيرهما، ليست كلها فوائد، بل قد تحمل الأضرار، الأهم هو الاقتصاد، الذي يجب أن يقود العملة، لا أن تقوده العملة.
2- طرح البعض، التهريب وغسيل الأموال والعقوبات على إيران كأسباب رئيسية لانخفاض الدينار؟
وجوابنا، إن هذا عامل قائم، لكنه يحتل مرتبة أدنى أمام العوامل الأساسية المطروحة، إذ بلغت استيراداتنا من السلع والخدمات (79.4) مليار دولار في (2021)، حسب منظمة التجارة الدولية WTO، (وليس الإحصاءات الوطنية الناقصة)، بينما سجلت الواردات النفطية للعام نفسه (75.65 مليار دولار) وفق “سومو”، فمعظم واردات النفط تذهب للاستيراد، واقتصادياً سيُحسب الاستيراد سواءً جرى عبر المصارف أو بوسائط أخرى، بفواتير أصولية أم لا، فإن كان هناك من خلل (وهناك فعلاً خلل كبير) فيجب البحث عنه في هيكلية الاقتصاد، وضعف الإنتاج الوطني أولاً، فالتهريب وخروج الأموال بغير الطرق الأصولية مخالفة قانونية، لكن خروجها -بأية طريقة- حركة اقتصادية لا يمكن وضع سياسات صحيحة دون رصدها وفهمها.
وذكرت أيضاً بأن سبب الارتفاع هو “العامل السياسي”، بمعنى إن هذا الموضوع يُستغل لأغراض المضاربة والربح السريع لقوى نافذة، أو لتهيج الرأي العام لأغراض سياسية.
أشرنا لمضاعفات خفض سعر صرف الدينار إلى (1450) دينار/دولار، في نهاية 2020، وآثاره في ارتفاع أسعار السلع والخدمات، أما التقلبات اليومية الحالية ليصل سعره السوقي (1600) دينار/دولار وأكثر، فسببه الأكبر العوامل الوطنية والخارجية التي تكلمنا عنها، يضاف اليها عوامل متغيرة أقل تأثيراً في قيمته، كالسعي للربح السريع والمضاربة والصراع السياسي والتصريحات المتناقضة التي تزرع الخوف وتزعزع الثقة، وهنا لا نتكلم عن معاناة الفقراء أو الفساد أو التهريب، بل نتكلم عن مؤشرات اقتصادية يجب فهمها لوضع المعالجات المناسبة لها، فلو لم يكن لدى العراق احتياطات كبيرة يستطيع فيها الدفاع عن عملته، لرأينا ارتفاع أسعار الصرف أضعاف التقلبات الحالية، كما يحصل في الكثير من البلدان الأخرى، مؤكدين أن الجزء الأعظم من خروج العملة يتم تحت غطاء القوانين الهشة والتعليمات المتضاربة، والمعاملات التي يسهل شرعنتها (تزويرها وفسادها) واعطاءها الصفة القانونية، وإن وجهتها الأساسية ليست الجمهورية الإسلامية المحاصرة، بل مصارف الغرب والشرق ودبي وأبو ظبي، الخ”.