قرن على جمعية النجاة وأرشيفها
فيديو: موريتاني في الزبير قاتل لتعليم البنات وعارض الإنكليز مع الحبوبي والحكيم
الزبير (البصرة) 964
بعد نحو قرن على وفاته، بقي أهل الزبير غربي البصرة يتذكرون العلامة الموريتاني محمد أمين الشنقيطي (1876 – 1932)، الذي استقر في مدينتهم مطلع القرن العشرين، بعد رحلة لطلب العلم والاكتشاف من مصر والحجاز حتى الكويت والعراق، كتقليد اعتاده أهل الأندلس والمغرب منذ ابن بطوطة وابن خلدون وسواهما طوال قرون، وبقيت مدرسة وجمعية النجاة الأهلية التي أحدثت “ثورة أدبية واجتماعية” على أطراف صحراء البصرة مطلع القرن الماضي، محط اهتمام مثقفي العراق والشرق الأوسط، حتى اليوم.
التفاصيل:
إدارة جمعية النجاة اختارت شبكة 964 كأول مؤسسة إعلامية لتسليط الضوء على أرشيفها من المخطوطات والمخاطبات التي كتبها الشنقيطي للأدباء والعلماء والملوك ولأمراء الخليج ومسؤولين عراقيين بخط يده طوال عقود.
يعد الفقيه والداعية الموريتاني محمد الأمين الشنقيطي علامة فارقة في تاريخ الخليج والزبير والبصرة بشكل عام خلال الحياة السياسية والثقافية، فقد اقترن اسمه بمحاولة تأسيس أول مدرسة للبنات في تلك المدينة التاريخية على أطراف الصحراء، بعد أن أسس جمعية النجاة عام 1923 وتخرج منها شعراء وأدباء ومفكرون ورجال أعمال، أمثال الكويتي الشاعر عبد العزيز البابطين والأديب العراقي الكبير محمود البريكان، وتجول مراسل شبكة 964 بين أرجائها وأرشيفها.
للشنقيطي الذي هاجر إلى العراق مطلع القرن العشرين وقاد نهضة للتنوير الاجتماعي والديني، تاريخ حافل فقد قاتل ضد حملة الإنكليز التي اجتاحت العراق عام 1914، إلى جانب نخبة من علماء الدين مثل آية الله الحبوبي وآية الله محسن الحكيم، في وقائع بارزة مثل محاصرة معسكر البريطانيين في منطقة الشعيبة، المحاذية للزبير.
صور من مقبرة الحسن البصري: هنا يرقد الفكر العربي كله.. والزوار من أمريكا والهند
محمد الأمين فال الخير الحسني الشنقيطي في سطور:
مواليد عام 1876 في صحراء شنقيط في موريتانيا، سافر إلى مصر والحجاز ودرس الفقه والحديث والأنساب، ثم توجه إلى الكويت، قبل أن يستقر في الزبير غرب البصرة عام 1909، حيث أسس مدرسة النجاة التي تخرج منها آلاف الطلبة حتى السبعينيات.
لم يكتفِ العلامة الموريتاني بنشر العلم بين الرجال بل طالب بحقوق موازية للنساء، رغم الظروف الاجتماعية التي كانت تحتم على المرأة الجلوس في البيت مطلع القرن العشرين، وهذا ما جعله يتعرض للمقاطعة والتنكيل حتى وفاته عام 1932.
أسامة الكامل – نائب رئيس جمعية النجاة لشبكة 964:
للمرة الأولى تقوم جميعة النجاة بعرض أرشيف العلامة الشنقيطي لمؤسسة إعلامية، ويتضمن كما تلاحظون مخطوطات ومخاطبات الشنقيطي بخط يده، مع وثائق لكوادر تربوية عراقية وعربية عملوا عقوداً في هذا المكان.
كان يخاطب أمراء وملوك الخليج العربي والرؤساء والوزارات في العراق لجمع التبرعات للجمعية ودعم مشاريعه التعليمية.
لا ينحصر تأثير الشنقيطي على مستوى العراق حيث لجمعية النجاة فرع في الكويت أيضاً، وهناك جمعيات أخرى تحمل اسمه في الوطن العربي.
المدارس القائمة الآن في أغلب البلدان العربي صارت تشبه فكرة الشنقيطي في مناهجها التدريسية، وهي اعتماد العلوم الدينية مع العلوم الحديثة إذ كان يعتقد بأن على المسلمين أن يتعرفوا على بقية العلوم بالإضافة إلى العلوم الدينية.
جمعية ومدرسة النجاة الأهلية كانت في الثمانينات ملاذاً لإيواء الأهالي الذين نزحوا من الفاو إلى الزبير في ظروف الحرب العراقية الإيرانية.
محمد حسين الراشد – باحث، لشبكة 964:
كان المسلمون سابقاً يمنعون دخول البنات إلى المدارس لغرض التعليم وهذا الأمر كان مُسلماً به في عموم البلدان، ومع ذلك حاول العلامة الشنقيطي أن يؤسس مدرسة خاصّة للبنات لكنه واجه معارضة، بل وتعرض إلى التهميش والنبذ، من قبل الأهالي آنذاك.
كان يروم فتح مدرسة لتعليم البنات تماشياً مع تأسيسه لمدرسة النجاة للذكور، وأراد بوضوح تام أن يكون للمرأة دور المناصفة مع الرجل في قيادة المجتمع.
خلد رجل الأعمال والشاعر الكويتي عبد العزيز البابطين دور الشنقيطي في الزبير، ببناء مدرسة للبنات تحمل اسمه عام 1989، وفاءً لمعلمه في مدرسة النجاة الأهلية قبل أن يعود لاحقا إلى الكويت، وجاء ذلك تعزيزاً لدور رجل الدين التنويري.
اشترى البابطين الأرض وأكمل بناء المدرسة بمنطقة محلة الشمال في الزبير، وتبرع بها إلى وزارة التربية العراقية، وهي مستمرة بتخريج التلميذات حتى يومنا هذا.
عادل علي عبيد – كاتب وباحث:
مجيء الشنقيطي إلى البصرة كان استثنائياً خلال معركة الشعيبة بين القوات البريطانية والقوات العثمانية لينصهر مع بعض العلماء ومنهم محمد سعيد الحبوبي ومحسن الحكيم وعلي الشرقي وآخرين.
تتلمذ على يده كبار الشخصيات الثقافية أمثال الشاعر محمود البريكان، عبد الرزاق الدايل، عبد القادر النبهان، عبد الوهاب المزين وهو عمّ الفنان الراحل عبد الكريم عبد القادر، وعدد آخر من الأسماء البصرية والخليجية المهمة.
وظف الشنقيطي اللغة الإنكليزية وجوانب الأرشفة الوثائقية وما يعرف بنظام ديوي العشري الخاص بتنظيم عمل المكتبات في مدرسة وجمعية النجاة الأهلية.
زار الشاعر العراقي معروف الرصافي الجمعية، وقال إنها ليست مدرسة بل جامعة في كافة فعالياتها وأنشطتها، فقد حققت نجاحا باهرا في الجوانب الفكرية والثقافية والتنويرية.
عبد العزيز خالد – متولي مقبرة الحسن البصري:
سيتم ترميم قبر العالم الشنقيطي خلال الفترة القادمة، بعد كل هذه العقود ما يزال قبره مقصداً للزوار والمؤرخين والباحثين من عرب وأجانب.