صرخة عبر 964 عن شارع الرشيد
فيديو: زهير الجزائري نشر 36 كتاباً بروح النجف وبغداد وأعاد تأليف “الفاجعة” مرتين
شارع المتنبي (بغداد) 964
قال الأديب والصحفي البارز زهير الجزائري إنه يشعر بشيء من “الغربة” داخل بغداد هذه الأيام، حين يلاحظ “التشويه المتعمد” في شارع الرشيد، القلب الحضري للعاصمة في القرن العشرين، وغياباً لهوية المدينة، فيما تحدّث لشبكة 964 عن أعماله التي بلغت 36 كتاباً، تحظى باهتمام المتابعين في التاريخ الثقافي والأدبي والسياسي.
صدام يتحدث عن شاه إيران والجزائري يكتب عن الفساد أبرز عناوين المتنبي (فيديو)
فيديو: مجزرة اليسار على حدود إيران و"الإنترنت السطحي" تصدرت المتنبي رأس السنة
كتاب آخر المدن
كتابي “آخر المدن” الصادر عن دار سطور، هو العمل رقم 36، وأتحدّث فيه عن تجربة عشتها في جبال كردستان (فاجعة بيشتاشان)، وهو امتداد لمجموعة من الكتب تحكي تجارب عشتها، سواء خلال الحرب الأهلية اللبنانية أو الأحداث الأخرى الكبيرة.
أعدت كتابة هذا العمل مرتين، الأولى عام 1992، ثم أعدتُ مراجعته مؤخراً. وهو شكل من أشكال كتابي اليوميات، ثم صغتها عملاً روائياً.
بغداد
مجيئي إلى بغداد، هو أمر طبيعي، اعتدت على قضاء بضعة شهور من السنة في بغداد، لأنها تعطيني شحنة معنوية كبيرة وتُغذّي مخيلتي بالصور والأحداث.
انقطعت عن بغداد قرابة 25 عاماً، وبعد 2003 فُتحت باب، في الأقل، وبكل سيئات هذا الانفتاح والفوضى التي عاشتها بغداد لكن يهمني جداً أن أكون متواجداً فيها.
لندن
قضيت سنوات طويلة في لندن، لكنها لم تأخذ من كتاباتي أكثر من 3 صفحات، وليس لدي ذاكرة عن المنفى، مع أن لندن فتحت لي مجالات ثقافية وفنية، فضلاً عن منحها الحرية الشخصية، وهي مدينة حية، ولكنها حتى في أحلامي، لا تأتي.
غياب هوية المدينة
في كل زيارة لي إلى بغداد أشعر بالغربة، وأجد أن الجيل الذي عشت معه لم يتبق منه إلا عينات، وأرى إن المدينة التي أعرفها قد تغيرت.
عندما أمر بشارع الرشيد الذي “أعرفه” أشاهد حجم الدمار ببيوته القديمة وفنادقه التي عشت فيها، والمحال والمقاهي التي قضينا فيها أغلب أوقاتنا وشهدت تكوين أفكارنا، كلها تغيّرت، فيما يجري زرع بنايات “نغلة” وهجينة، لا علاقة لها بالمكان، بنايات بزنس لأناس لا يقدرون هوية المكان.
كنت في السابق، أتنافس مع أصدقائي على حفظ دكاكين هذا الشارع، بدءاً من “تسجيلات جقماقجي” وصولاً إلى الميدان، دون أن ننسى دكاناً واحداً، لكنني اليوم عندما أرى الشارع بهذا الحال وهذا السباق بين الأصالة والحداثة المشوهة أشعر بالألم الكبير، وأحس بفقد قطعة من روحي كلما أرى بيتاً تراثياً يتهدم، الأمر الذي يشعرني بالغربة وبالوجع.
لكن، تبقى بغداد أهلي وأصدقائي، والأماكن التي فيها تاريخي وذكرياتي. كان عمري 19 عاماً حين غادرت مدينتي النجف، وأتيت إلى بغداد. أزور النجف مرات قليلة، لكن بغداد تأصّلت بي.
متأخراً، كتبتُ رواية عن النجف، وعنوانها “باب الفرج” لكن بغداد أخذت الحيز الأساسي من حياتي وكتاباتي.
مغادرة أبناء الجيل
الجيل الذي أعرفه، لم يتبق منه سوى عينات. لقد رحلوا. الذاكرة المكانية تشوّهت، وقد يكون في حديثي جزء من الحنين إلى الماضي، لكن بغداد تغيرت، ولو جاءها زائر أجنبي لن يتعرف بسهولة على هوية المدينة.
أريد أن أصرخ!
أريد أن أصرخ، ومعي عدد من الناس، بأن أوقفوا هذا التهديم، لكن من تجربتي، فإنني أرى أن رجال الأعمال والمستثمرين ومحبي المولات والمرمر والطلاء الذي لا علاقة له بالمكان، هم أقوى مني بكثير، لأن لديهم الأموال والعزيمة والسلطة، وهذا يُشعرني باليتم، ويجعلني أصرخ في مكان أنا وحيد فيه، ومع ذلك لا أستطيع أن أستغني عن بغداد أبداً.
آخر هموم السلطة
الشأن الثقافي هو آخر هموم السلطة، لأن الدفق المالي الذي يتدفق على رجالها كبير جدا، وقد عكسته في كتابي “سيرة الفاسد”، وهو صرخة وجع على التشويه الذي يحصل في حياتنا.