من هم "القادة" و"المقلدون"؟

لماذا يتأخر العراق في اعتماد الري الحديث؟ 3 فئات من المزارعين تتحكم بالمعادلة

بغداد – ميسون الشاهين

تدفع الحكومة العراقية الفلاحين وأصحاب الحقول إلى مغادرة الري التقليدي الذي يتسبب بهدر الموارد في ظل تفاقم الجفاف، وقررت مؤخراً حصر الدعم بأولئك الذين يستخدمون فقط وسائل الري الحديثة، لكن الطريق طويل لتحقيق هذا الهدف، إذ ما تزال الحقول المروية بالتقنيات الحديثة أقل من 5 في المئة من المساحة المزروعة.

السوداني يكشف ملامح خطته الزراعية لـ 2024: الري بالرش وال...

السوداني يكشف ملامح خطته الزراعية لـ 2024: الري بالرش والتقطير لن يكون اختيارياً

ماذا حدث؟

في نيسان الماضي، أكد رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أن الدعم الحكومي سيشمل فقط الفلاحين الذين يستخدمون أنظمة الري الحديثة.

والأسبوع الماضي، وافق مجلس الوزراء على إضافة مليون دونم للأراضي الزراعية التي تعتمد على المياه السطحية، على أن تتركز زراعة المحاصيل الشتوية، قرب الأنهر والجداول.

في هذا السياق، يوضح المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، علي راضي، لشبكة 964، أن الموسم الشتوي الماضي كان مبشراً في المساحات التي اعتمدت التقنيات الحديثة، وساعدت في ذلك مشاريع خففت الضغط على المياه السطحية، مثل معالجة المبازل، واستخدام وسائل النقل المغلقة كالقنوات والأنابيب، والتبطين الخرساني، لتقليل الضائعات المائية.

بلغت نسبة مستخدمي التقنيات الحديثة في الري للعام الماضي نحو 3.7 في المئة، وفقاً لرئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية التعاونية، حيدر العصاد، الذي أكد لشبكة 964، أن النسبة يجب ألا تقل عن 20 في المئة.

لكن نقص معدات الري في الأسواق إلى جانب غلائها، يمنع الفلاحين من اعتمادها بنحو واسع، إذ تبلغ تكلفة “مرشة” تروي 60 دونماً، 40 مليون دينار عراقي.

يقول العصاد، إن المساحة الزراعية لهذا الموسم كانت 11 مليون دونم، وهي نسبة ضئيلة من مساحة العراق الصالحة للزراعة والبالغة 44 مليون دونم، مشيراً إلى حاجة الأراضي إلى مرشات خاصة تقاوم نسبة الملوحة العالية في المياه، خصوصاً في حوض الفرات.

لجنة المياه العراقية العليا: قروض لتشجيع الفلاحين على

لجنة المياه العراقية العليا: قروض لتشجيع الفلاحين على "الري الحديث"

خلفية

تدعم الحكومة الفلاحين بتجهيز الأسمدة الكيمياوية وتخفيض سعرها بنسبة 50 في المئة، كما تساعد من يرغب بشراء الحاصدات والساحبات بنسبة تصل إلى 70 في المئة، كما تشتري السلطات طن القمح من الفلاح بـ850 ألف دينار، وهو أعلى من السعر العالمي المقدر بـ400 دولار.

لكن مزارعين قالوا لشبكة 964، إن “استخدام الري الحديث، بالرش أو التنقيط، لم يوفر الدعم الحكومي، أو أنه لم يكن بمستوى وعودها”، فيما اشترط آخرون، ما يزالون يستخدمون الوسائل التقليدية، تأمين الدعم قبل تغيير طرق الري.

فلاحون قادة ومقلدون

يقسم العصاد المزارعين في العراق إلى 3 فئات:

القادة: الفلاحون الذين يسعون دائماً إلى الحداثة ويستخدمون المعدات والتقنيات الحديثة في الزراعة والري، دون انتظار دعم حكومي، وهؤلاء عددهم قليل، ويقدر بـ 2000 فلاح.

المقلدون: يشكلون نحو 96 في المئة من فلاحي العراق، وهؤلاء ينتظرون نتائج تجارب فئة القادة في استخدام المعدات الحديثة، ومن ثم تنفيذها.

الجامدون: تنشط هذه الفئة، التي تشكل نحو 3 في المئة، في بساتين تستخدم الأسلوب الأقدم الذي يعود إلى عصور السومريين الغابرة، في الزراعة.

بناء على هذه التقسيمات، فإن غالبية الفلاحين لا يستفيدون من الدعم الحكومي، ما دفع الاتحاد العام للفلاحين إلى دفع مستحقات المزارعين لمساعدتهم، وعقد اتفاقيات مع بعض الشركات لإدخال معدات حديثة بأسعار مخفضة، وفقاً للعصاد.

أين يتركز الإرواء الحديث؟

بلغت المساحات المروية بالمياه السطحية الموسم الماضي، نحو مليوني دونم، و4 مليون دونم بالآبار الارتوازية، ومثلها بـ”الديم”، وفقاً للعصاد الذي يشدد على الاستفادة أكثر من الري السطحي بعد نضوب مياه الآبار السعودية والأردنية القريبة من الحدود.

وأكد العصاد، أن كربلاء من أكثر المدن التي تعتمد الري الحديث إذ تستخدم الرش للمحاصيل الاستراتيجية كالحنطة والشعير، والتنقيط لمحاصيل الخضار، فيما كانت الأراضي الصحراوية الأكثر استخداماً للتقنيات الحديثة والآبار الارتوازية، وتتركز في حقول الطماطم بالنجف والبصرة، أما كركوك فتستخدم الري الثابت بأنابيب تدفن تحت التربة.

نظرة إلى الأمام

ينخفض إنتاج المحاصيل الاستراتيجية في العراق عن المعدل العالمي، إذ يبلغ 500 كيلو للدونم الواحد، بينما يصل إلى 3000 كيلو عالمياً، لكن استخدام المعدات الحديثة رفع الإنتاج في مناطق محدودة إلى 2000 كيلو في الدونم، وفقاً للعصاد.

ويشير رئيس اتحاد الفلاحين إلى أن الري الحديث يقلل الحاجة إلى اليد العاملة، فالتجارب المحلية تفيد بأن إدارة 100 دونم تحتاج إلى 7 أشخاص، بينما تجربة أسترالية لعائلة من شخصين فقط، تمكنت من إدارة 40 ألف دونم باستخدام الأنظمة الحديثة، مع دمج التسميد ومكافحة الحشرات بالمرشات.

وأفاد العصاد، بأن بساتين النخيل في العراق تستهلك سنوياً 3 مليار متر مكعب من المياه، وفي حال تطبيق الري بالتنقيط سينخفض الاستهلاك إلى 500 مليون متر مكعب.