لماذا اعتقل نقيب أطباء بغداد؟

صورة أوضح عن مافيا التجميل: متنفذون يتقاسمون مراكز بغداد.. إغلاقها يفتح جهنم

بغداد – شبكة 964

تتعثّر حملات إغلاق مراكز التجميل المخالفة في بغداد بالصراع المشتعل في ”عش دبابير“ يدير السوق، فيما تكشف مصادر خارطة توزيع تلك المراكز في مناطق بغداد الحيوية بين جهات نافذة، يصعب عليها التنافس خارج رقعتها الجغرافية.

وأثير جدل واسع في الأوساط الطبية بعد اعتقال نقيب أطباء بغداد، مصطفى السعدي، الذي دشّن الشهر الماضي حملة قال إنها ”لتفتيش وإغلاق المراكز المخالفة“.

وخلال السنوات الثلاث الماضية، حاولت السلطات الصحية ومعها المجتمع النقابي السيطرة على سوق التجميل من خلال إغلاق المراكز المخالفة، لكن غالباً ما تتراجع هذه الحملات أمام الانتشار المتسارع لمنشآت التجميل.

وبحسب إحصاءات نقابة الأطباء، فإن بغداد لوحدها تضم أكثر من 400 مركز تجميل، فيما تُرجع مصادر نقابية ارتفاع العدد إلى تسابق شخصيات نافذة لاقتحام هذا السوق.

وبعد الإفراج عنه بكفالة، على ذمة التحقيق، في 10 شباط 2023، زعمت مصادر مختلفة أن قوة من الاستخبارات اعتقلت السعدي، على خلفية اعترافات معتقل آخر، كان عضواً في فرق التفتيش التابعة لنقابة الأطباء.

وقال مصدر من النقابة، إن ”الاعترافات تضمّنت ادعاءات حول تورط السعدي بالتغطية على المراكز المخالفة“.

وعلى الرغم من صعوبة التوثّق من دوافع الاعتقال وإطلاق السراح، وفيما إذا كان السعدي متورطا بالفعل بصلات مشبوهة مع أصحاب المراكز، فإن الأحداث التي تطفو على سطح النقابة تخفي ما يصفه أطباء ناشطون بـ“المافيا“ التي تسيطر على سوق التجميل.

وتملك نقابة الأطباء سجلاً حافلاً بحوادث العنف، ففي تشرين الأول الماضي تعرض نقيب الأطباء السابق جاسم العزاوي إلى اعتداء بالضرب من قبل أعضاء في النقابة، وقبل ذلك بشهور هاجم مسلحون منزل السعدي نفسه، بالرصاص الحي.

وبعد أيام قليلة من اعتقال السعدي، اختارت نقابة الأطباء نقيباً بديلاً دون أن تدلي بأي تصريح عن الملابسات.

ويرجح مصدر أمني رفيع، أن يكون اختفاء النقيب على صلة بالصراع بين نافذين يديرون تجارة التجميل في العراق، بعضهم يوفر الحماية للمراكز المخالفة للشروط الصحية، وضوابط إقامة عمل الأجانب.

ورفض أعضاء في مجلس نقابة الأطباء التعليق على ملابسات اعتقال السعدي، لكن أطباء جلدية ناشطين في العمل النقابي أخبروا شبكة 964 إن إدارة ملف مراكز التجميل حوّل النقابة إلى “لوبيات” متنافسة، تلجأ أحياناً إلى ”الضرب تحت الحزام“ لرعاية مصالحها.

ومع الزيادة القياسية والمستمرة في مراكز التجميل، تتكرر الحوادث الناجمة عن أخطاء الجراحات التجميلية، وكان آخرها وفاة سيدة تبلغ من العمر 25 عاماً داخل صالة العمليات، قبل أن يهرب الطبيب إلى جهة مجهولة.

خارطة سوق التجميل

وبحسب المصدر الأمني، فإن “جهات نافذة” تتقاسم المناطق التجارية والحيوية في بغداد، إذ تسيطر كل جهة على مراكز منطقة بعينها، وخلال السنوات الخمس الماضية ازداد عدد تلك المراكز بشكل قياسي.

ويقول المصدر، لشبكة 964، إن خارطة المراكز “المحمية” من تلك الجهات توزعت بين بؤر جغرافية في بغداد، من شارع الأميرات، المنصور، اليرموك، شارع فلسطين، والكندي، فيما تتوزع مراكز أخرى في مناطق متفرقة أقل زحاماً، حيث يصعب على الجهات النافذة التنافس في هذه التجارة خارج مناطق نفوذها.

ويعتقد ضابط في وزارة الداخلية، تحدث لشبكة 964 بشرط حفظ الهوية، أن عدداً كبيراً من المراكز يغطي عمليات غير قانونية، بينها تشغيل أموال مشبوهة، أو تقاسم الأرباح مع أطباء مقابل حماية المركز من المساءلة القانونية.

ويقول الضابط، إن المراكز المخالفة بإمكانها تشغيل الأجانب دون رخصة عمل قانونية، فيما تعفى من التدقيق الصحي الذي تجريه عادة السلطات المعنية بالرقابة.

وغالباً، لا تتأخر مراكز أغلقتها السلطات الصحية أكثر من أسبوع لتعود إلى مزاولة نشاطها، دون تصريح رسمي بالعمل، ولا حتى بيان أسباب الإغلاق، وفقاً للضابط، الذي يجزم بتدخل الجهات النافذة لحماية تلك المراكز.

وتواصلت شبكة 964 مع مسؤولين في وزارة الصحة بشأن إعادة فتح المراكز المشمولة بالإغلاق، دون أن تحصل على إجابات حتى لحظة نشر هذا التقرير.

وبحسب نقيب الأطباء السابق، جاسم العزاوي، فإن 190 مركز تجميل مخالف تم إغلاقها في الربع الثاني من 2021، لكن مصادر من النقابة تقول إن الحملة تراجعت لاحقاً بسبب التنافس بين شبكات المصالح النافذة.

وتقول طبيبة تجميل في أحد مراكز بغداد، إن أغلب العاملين في هذا القطاع من جنسيات أجنبية، لا يمتلكون تصاريح عمل أصولية، ولا يتعرضون إلى المساءلة القانونية.

ويسيطر الهوس بالتجميل على مجتمعات واسعة في البلاد، تساعدها حملات ترويج تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، ما شجع رؤوس الأموال على اقتحام هذا القطاع، وإنشاء شبكة مصالح مالية قد تكون أحياناً محصنة من الرقابة.

وتقول طبيبة تجميل، رفضت الكشف عن اسمها، إن غالبية الزبائن يطلبن إجراء جراحة لتحويل وجوههن إلى نسخ طبق الأصل من مشاهير عرب وأجانب، ”حين نسأل عن حاجة المراجعة للجراحة، تخرج صورة من هاتفها لواحدة من المشاهير (…) تريد أن تصبح نسخة منها“.

وتتعرض النساء، وفقاً للطبيبة، إلى تدفق هائل من الإعلانات الرائجة في مواقع التواصل الاجتماعي للوجوه المعدلة والتي تحاكي المشاهير، وغالبية المستهلكين يعتقدن أن إجراء عمليات جراحية سيرفع من حظوظهن في الحصول على الشهرة أو الوجاهة الاجتماعية.

معلومات وبحث: فاتن خليل