مقال مطول على حسابه الخاص
بعض ضباط القرى يميلون إلى من يجعلهم في مصاف الآلهة – مقداد ميري
بغداد – 964
أوضح الناطق باسم وزارة الداخلية العميد مقداد ميري، في مقال مطول نشره على حسابه الرسمي، اليوم الجمعة، أن بعض الضباط العاملين في المناطق الريفية يجنحون إلى التسلط عندما يمنح لهم هامش نفوذ، ويتعاملون مع رتبهم وكأنها امتياز شخصي لا تكليف وطني، مشيراً إلى أن ذلك يمثل خطراً مؤسسياً على صورة وهيبة المؤسسة الأمنية، وقال ميري إن الرتبة العسكرية لا ترفع صاحبها فوق الناس، بل تلزمه بأن يكون أكثرهم تواضعاً وأشدهم التزاماً، وإن من أخطر ما يصيب رجل الأمن هو الخلط بين السلطة والقداسة، مما يؤدي إلى تحويل الانضباط إلى غطرسة.
مقال بقلم العميد مقداد ميري، تابعته شبكة 964:
في كل مؤسسة تحمل السلاح والشرف، هناك رجال يصنعون المجد، وآخرون يستهلكون هيبته. وبين هؤلاء وأولئك، يقف بعض ضباط القرى ممن لم يدركوا بعد أن الرتبة لا ترفع صاحبها فوق الناس، بل تُلزمه بأن يكون أكثرهم تواضعًا، وأقربهم إلى الواجب.
إن أخطر ما يُصيب رجل الأمن أن يختلط في ذهنه مفهوم السلطة بالقداسة، فيرى في نفسه إلهًا صغيرًا يملك مصائر الآخرين. فتتحول الأوامر إلى أوهام، والانضباط إلى استعراض، والهيبة إلى غطرسة. هؤلاء لا يحتاجون إلى ترقيات ولا إلى مدائح، بل إلى من يُعيدهم إلى رشدهم، إلى من يُنزلهم من أبراج الوهم إلى أرض الواقع، حيث الناس شركاء في الوطن لا عبيد في ساحة نفوذ.
لقد علّمنا التاريخ أن القوة التي تُمارَس دون وعي تتحول إلى قسوة، وأن من ينسى أنه خادمٌ للوطن، سرعان ما يصبح عبئًا عليه. فلا الأمن يُبنى بالصوت العالي، ولا الانضباط يُصنع بالعصا، بل بالقدوة، والعقل، واحترام الإنسان.
إن هيبة الضابط الحقيقية لا تُقاس بعدد المنتسبين الذين يخافونه، بل بعدد المواطنين الذين يثقون به. فالثقة هي أقوى من الرتبة، وأبقى من النجوم التي تُزيّن الكتف.
ولذلك، أقولها بوضوح: بعض ضباط القرى بحاجة إلى من يجعلهم في مصافّ الآلهة، كي يدركوا لاحقًا أن لا أحد يستحق تلك المنزلة، وأن من يتأله في الأرض، يسقط في نظر الناس قبل أن يسقط في أعين السماء.
القيادة الأخلاقية في المؤسسات الأمنية.. إن المؤسسة الأمنية الحديثة لا تُقاس بصرامة أنظمتها فحسب، بل بقدرتها على إنتاج قياداتٍ أخلاقية تمارس سلطتها بروح العدالة والمسؤولية. فالقائد الذي يملك ضميرًا حيًّا يغدو أكثر تأثيرًا من ألف قائدٍ يملك سلطةً بلا وعي. إن أخلاق الضابط هي التي تمنح الشارة معناها، وهي التي تُحوّل الانضباط من خوفٍ إلى احترام، ومن أوامرَ إلى قيم.