استعراض لفرضيات ما بعد صدام

حيدر سعيد: ماذا يعني أنني شيعي سياسياً؟ تشرين لم تنتج حزباً

964

استعرض المفكر العراقي حيدر سعيد، جملة من الفرضيات التي تعالج عراق ما بعد صدام حسين، وسط سجال متجدد حول موقع النظام الحالي من عواصف الحروب والتغييرات في الشرق الأوسط، وطرح تساؤلاً حول ما يعنيه أن يكون المرء “شيعياً سياسياً” خلال مراجعة شكل النظام المطلوب، بينما لم يتمكن الجميع تقريباً من التعبير عن نفسه بشكل حزبي حديث بعيداً عن إطار الطائفة، حتى أن حراك تشرين بأهميته لم يتمكن من إنتاج حزب بهذا المعنى، لأنه بقي محكوماً بشروط وظروف استحكمت خلال أكثر من عقدين بعد انهيار نظام البعث.

8 نقاط عن المرأة وعهد الملك وقاسم.. مرافعة حيدر سعيد: لا نزاع مع الإسلام

فيديو: بحثاً عن رواية جديدة لثورة العشرين.. المفكر العراقي حيدر سعيد في بغداد

حيدر سعيد، في حوار مع الإعلامي أنس البدري، تابعته شبكة 964:

بعد العام 2003 تم اعتبار الدولة العراقية كدولة مكونات، وافترضوا أن هذه المكونات متنازعة، بمعنى أنهم أعادوا قراءة تاريخنا منذ تأسيس الدولة العراقية مطلع القرن الماضي، بوصفه تاريخ نزاع، ولذلك أسسوا النظام السياسي لكي يحفظ السلم الأهلي، ولكن ما حصل هو أن هذا النظام فجر الصراعات في أعوام 2005 – 2007، وعزز الانتماء الى الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية، وصار تحقيق الوضع السياسي يعتمد على هذه الهويات، وأعتقد أن صانع القرار يجب أن يرتكن الى مبدأ المواطنة أو على الأقل أن يتجاوز إرث العشرين سنة الماضية من الصراعات.

باستثناء عقدة القضية الكردية التي لم تتمكن الدولة العراقية من التعامل معها بشكل جيد، لم تكن المكونات العراقية متنازعة قبل 2003، ولكن بعد سقوط النظام تم افتراض ذلك، والانطلاق من هذا لتعريف النظام الجديد، ولكننا في الحقيقة كان يجب أن ننتقل من نظام دكتاتوري إلى مرحلة انتقال ديمقراطي، وكان يفترض أن يكون النظام الحالي بمثابة نظام انتقالي الى مرحلة دولة المواطنة، ولكن ما يحدث ليس هذا.

هناك من يقول إن هذا النظام يمثل واقع الحال، ولا يمكن إيجاد نظام آخر لتمثيل الشيعة والكرد والسنة، وهذا غير صحيح، لأن هذا النظام هو من يعيدنا الى هذه الهويات، وليس لأننا كذلك، أو لأننا شيعة أو سنة أو كرد ونريد أن نعبر عن هوياتنا سياسياً، غير أن التمسك بهذا النظام، وهذا الوضع القائم نتيجة التمسك بالمنافع التي يوفرها هذا النظام عبر شبكات زبائنية واسعة.

نحن نسمع مفردات من قبيل سياسات المكون الفلاني وحاكمية المكون الفلاني، ومصالحنا ومصالحكم، وهذه ضمائر لا تعكس أي إطار وطني، فحتى في الدول التي تعاني من صراعات إثنية وطائفية تكون الحالة التوافقية على مستوى اتخاذ القرارات المتعلقة بالمصلحة العليا، كما يجب أن تكون لهذه الإثنيات بطانة وطنية على مستوى الهوية، وهذا الذي لم يتحقق في الحالة العراقية وتم التفريط به.

هذا الوضع من التفريط بالهوية الوطنية أدى الى انفجار احتجاجات تشرين 2019، وقام بالاحتجاج جيل ولد معظمه نهاية التسعينيات ولم يكن وعيهم السياسي متبلوراً في لحظة التغيير عام 2003، وهؤلاء لم يروا الدولة والهوية الوطنية التي رأيتها أنا المولود في بداية السبعينيات، ورغم أنهم تربوا على الهويات الفرعية، ولكنهم انتفضوا ضد أن تعرف الدولة كدولة مكونات.

الاتجاه نحو دولة المواطنة يبدأ من السياسة، فيجب أن يشعر جميع المواطنين العراقيين أن الدولة دولتهم جميعاً ولهم حق المشاركة التعبير السياسي على وجه المساواة، وأن لهم الحق في التدخل في القرارات المصيرية التي تخص بلدهم الواحد، ثم يأتي التعليم كعنصر أساسي مهم في ترسيخ هوية المواطنة، ويتجاوز ذلك الى مناطق أهم، فهو يصنع هوية المواطن وعلاقته ببلده وإرثه وعلاقته بالعالم والحداثة أيضاً، كما يجب أن نركز على كيفية سرد تاريخنا المشترك، بما لا يخلق الانقسامات بين المواطنين، وليس كما فعل حزب البعث حين أضاء مناطق تاريخية وتجاوز أخرى، فالتاريخ هو ذاكرتنا المشتركة، والكثير من المواطنين لا يطلعون على التاريخ إلا عبر ما يتوفر في المناهج الدراسية.

أشتغل الآن على بحث أكاديمي ينطلق من سؤال: ماذا يعني أن أقول أنا شيعي سياسياً؟ وبدأت أميل الى أن الطائفية تنشأ حين تغيب الحياة الحزبية الحقيقية، بمعنى أن الطائفة تكون الوسيط للتعبير عن مطالب الجمهور بدل الحزب، وهذا خطير لأن الطائفة ليست تنظيماً مؤسساتياً لأنها ستعود الى سردياتها التاريخية وموقعها من الأحداث ومواقفها من الطوائف الأخرى، وفي تقديري أن ما موجود من أحزاب حالية هي تجمعات انتخابية تجتمع وتتحالف وتفترق من أجل الانتخابات، في حين أنا أتحدث عن أحزاب تتوفر فيها 3 عناصر أساسية، هي التنظيم الواضح، والفكرة السياسية، والفاعلية والاستمرارية في الحياة السياسية، لا أن تتوقف المشاركة على الانتخابات فقط.

العراق يفتقد الى حياة حزبية حقيقية، أو أحزاب حقيقية، وحتى التجارب التي أفرزتها احتجاجات تشرين لم تولد أحزاباً، وهذه علامة استفهام كبيرة في الحالة العراقية حيث لم تستطع أن تخلق أحزاباً رغم أن المجال السياسي مفتوح وهناك انتخابات، وأعتقد هذا يرجع الى طبيعة الأحزاب المهيمنة وربطها الناس بشبكات زبائنية لدرجة أن الشباب لم يستطيعوا رؤية أنفسهم خارج ما هو موجود من تجربة.

الانتقال الديمقراطي لم ينجح في العراق، ولم ينجح كذلك في كل بلدان الربيع العربي، وحتى تجربة تونس انتهت، فالديمقراطية لا يمكن أن تكون من دون انتخابات، ولكن وجود انتخابات لا يعني وجود ديمقراطية، فهناك بلدان سلطوية بالكامل ولكنها تحرص على إجراء الانتخابات، وهذا ما كان في نظام حسني مبارك وما يحصل الآن في إيران، لكن الديمقراطية حزمة واحدة تتضمن سيادة القانون والفصل بين السلطات والانتخابات والحريات العامة وحق المشاركة السياسية والمجتمع المدني الفاعل، وهناك من ينظّر لمفهوم التنافسية السلطوية، ويريد ترسيخ هذا الوضع الراهن بوصفه ديمقراطية وعليه يجب أن يتمتع النظام بالاستقرار ولا حاجة للتغيير، ولكن يجب أن يواجه هذا التنظير بتعريف العراق كدولة غير ديمقراطية لغياب اشتراطات الديمقراطية التي ذكرناها.

هناك موجة سائدة عالمياً للأنظمة الهجينة التي تتضمن عناصر ديمقراطية وعناصر سلطوية في ذات الوقت، والعراق يصنف كنظام هجين، وهنا يأتي دورنا كمثقفين وناشطين، ويجب أن نتحرك في هذه المساحة، وأن نحاول تحجيم العناصر السلطوية داخل النظام الحالي، ولكن أشعر بوجود مسعى داخل النظام السياسي لإنتاج نظام سلطوي مغلق، مثل كل السلطويات المغلقة، لتحجيم المجتمع الذي انفجر عام 2019، وقمع جميع المعارضين وحركات المعارضة أو المخالفين للنظام الحالي.

يجب أن نتخلص هذا النظام القائم على الهويات الفرعية، والبرلمانات دائماً تكون غير فاعلة في الديمقراطيات التوافقية، ولو راجعنا البرلمان العراقي بدوراته المتعاقبة فلن نجد وظيفته الرقابية إلا حين تكون هناك حالات انقسام في الائتلاف الحاكم، أما حين يكون الائتلاف الحاكم متماسكاً فلن تجد استجواباً واحداً، وهذا ما يقوله البرلمانيون أنفسهم وليس مراكز الأبحاث أو الدراسات.

فلسطين “تنفست” بعد تراجع التدخلات “السلطوية”.. مقاربة عراقية من حيدر سعيد

المالكي “مرعوب” من سوريا والسوداني لا يملك حتى صلاحية العبادي.. حيدر سعيد

ودراسة موسعة من حيدر سعيد.. ملف كامل يضم 6 أبحاث عن الزواج وقانون الأحوال

فيديو: حيدر سعيد في مدينة الصدر وجيل لم يعرف صدام حسين

Exit mobile version