جلسة بيت المدى
النجف وسعد زغلول وسايكس بيكو.. قراءة جديدة لثورة الـ20 وظروفها الإقليمية
شارع المتنبي (المدى) 964
أقام بيت المدى للثقافة والفنون في شارع المتنبي وسط بغداد، جلسة نقاشية تحت عنوان “شهادات ومواقف من ذاكرة الثورة” بمناسبة مرور 105 أعوام على اندلاع ثورة العشرين، وذلك بمشاركة عدد من الباحثين والأكاديميين المختصين بالتاريخ والهوية الوطنية، حيث تناولت أبرز المحطات السياسية والاجتماعية التي مهدت للثورة، إلى جانب دور المرجعية الدينية والشباب والمثقفين في تحريك الشارع العراقي آنذاك، وتأثر الوقائع بإعلان بنود سايكس بيكو التي كانت سرية أول الأمر، فضلاً عن ثورة سعد زغلول في مصر عام 1919.. وأكد الباحثون على أهمية تثبيت يوم الـ 30 من حزيران وهو يوم الثورة، عيداً وطنياً رسمياً بوصفه نقطة الانطلاق الفعلية لتأسيس الدولة العراقية الحديثة.
فيديو: بحثاً عن رواية جديدة لثورة العشرين.. المفكر العراقي حيدر سعيد في بغداد
كم إلهاً واحداً في العالم؟ التشيع بنظرية مصر والعراق تفضيلات المتنبي (فيديو)
حميد حسون العگيلي – تدريسي قسم التاريخ، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، لشبكة 964:
الحديث عن ثورة العشرين حديث طويل ومتشعب، وقد تناولتها مدارس فكرية متنوعة، من المستشرق البريطاني لونغريك والمؤرخ ويلسون إلى المدرسة الروسية عبر كودفولوف.
أما تأريخ العراقيين فقد تميز بجهود كبيرة من شخصيات مثل عبد الرزاق الحسني، وعبد الله الفياض، ونديم عيسى، وعلي الوردي، وغيرهم ممن عالجوا الثورة من وجوهها السياسية والاجتماعية والشعبية.
ترجع أسباب الثورة إلى عوامل داخلية، تمثلت في السياسات البريطانية القمعية وسوء الإدارة وفرض الضرائب والفقر وتفشي الأمراض، مما زاد من معاناة الشعب العراقي، وأسباب خارجية مثل خيبة الأمل من تجربة الحكومة العربية برئاسة فيصل، وتأثير ثورة سعد زغلول في مصر عام 1919، إضافة إلى الوعود الكاذبة التي قطعتها بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا، ومنها وعود لويد جورج بأن الاحتلال جاء من أجل تحرير الشعوب لا استعمارها.
كان إعلان بنود اتفاقية “سايكس – بيكو” السرية لعام 1916 بعد مؤتمر سان ريمو في 25 أبريل 1920 صدمة كبرى، دفع العراقيين للانتفاض في 30 حزيران 1920، في واحدة من أكبر حركات التحرر الوطني ضد الاحتلال البريطاني.
قبل اندلاع الثورة كانت بغداد ومعظم مدن العراق تغلي بالمظاهرات والاحتجاجات، وقد جسدت الثورة وحدة النسيج الوطني العراقي، إذ شملت أكثر المحافظات، من الرميثة والفرات الأوسط والعتبات المقدسة إلى الحلة والرارنجية وعفك وديالى والناصرية وحتى كردستان.
ومن أبرز محطات الثورة انتفاضة الرارنجية بقيادة الشيخ شعلان أبو الجون، حيث استولى الثوار على مدفع بريطاني، ما ألهب باقي الجبهات، وبرزت قيادات شيوخ العشائر ورجال الدين مثل الشيخ عبد الواحد آل سكر، والسيد محسن أبو طبيخ، والسيد قاطع العوادي، والشيخ ضاري آل حمود، والسيد علوان الياسري، والشيخ شعلان أبو الجون.
كما أصدر المرجع الكبير الشيخ محمد تقي الشيرازي فتوى الجهاد ضد الاحتلال، ما أضفى بعداً دينياً إلى جانب الأبعاد الوطنية، وقد قاد هؤلاء الجماهير دون جيش منظم، معتمدين على الفتوى والوطنية والإيمان.
كما لعبت المرجعية الدينية دوراً محورياً، إذ كانت رسائل الشيرازي تقرأ في صحن كاظمية الإمام، وتغلق الأسواق والطرقات لسماعها، وشارك شباب “جمعية الشبيبة الجعفرية” الجناح الشاب لجمعية حرس الاستقلال، في تنظيم المظاهرات وكتابة الشعارات ونشر الوعي الوطني، امتثالاً لقرارات قادتهم مثل يوسف السويدي، وسيد محمد الصدر، والبازركان، وجعفر أبو التمن، وجمال بابان، وعبد الغني كبة.
وثمة إجماع من المؤرخين على أن الشيخ ضاري المحمود، شيخ زوبع، هو من قتل الضابط البريطاني “لجمن” في تموز 1920، رغم وجود اختلافات حول بعض التفاصيل.
كما يعد شعلان أبو الجون المفجر الرئيسي للثورة التي بدأت في 30 حزيران، وقد أشار محسن العارضي إلى معركة الرارنجية، التي جرت ليلاً واستمرت ست ساعات، وأسفرت عن مقتل أكثر من 20 جندياً بريطانياً وإصابة أكثر من 40 آخرين.
ورغم الأهمية الكبرى للثورة في تأسيس الدولة العراقية، إلا أنها لم تحظ بالاحتفال الرسمي الكافي، فلم يعتمد 30 حزيران كيوم وطني، وبدأ الاحتفاء بـ10 حزيران، ثم تغير ليصبح 3 تشرين الأول عام 1932 بمناسبة الانضمام إلى عصبة الأمم، ولم يكن ذلك التاريخ بديلاً حقيقياً عن الثورة، التي وضعت الأسس الأولى لبناء العراق المستقل.
عادل العرداوي – باحث في التراث الشعبي العراقي، لشبكة 964:
تلك الشهادات تمثل نقطة في بحر عميق، فثورة العشرين أثارت مئات المؤتمرات والندوات والدراسات الأكاديمية والكتب، وما زالت أهازيجها الشعبية حية، مثل “الطوب أحسن لو مغواري” التي رددت بعد انتصار الرارنجية، وما زالت تستخدم حتى اليوم.
وقد تحول كثير من الثوار إلى شعراء موقف، منهم الشيخ عطية الدخيل، والشيخ عبد الواحد آل سكر، والسيد محسن أبو طبيخ، والشاعر عبد السادة القصاد وغيرهم، وقد برز مرزوق العواد بقوله: ‘الجيش البريطاني مثل الحوتة: بلعنا القليل وغص بنا.
واستخدم أحد الشعراء آية قرآنية مخاطباً الإنجليز بها: “يا زليخة ليوسف تاليها”، في رسالة واضحة بأن الحكم الوطني لا بد أن يسلم للعراقيين.
وقد اعتبر الموت في ساحة الدفاع عن الوطن شهادة، وبالفعل قضى الكثير من أبناء العشائر الوطنية شهداء، ولا يزال أحفادهم بيننا إلى اليوم.