دمرت إسرائيل بيته وأدمت المقاومة فمه

“سبّ السيد الأمين ولا حاجة لدليل”.. ضربوا ياسر عودة على لسانه العراقي

964

في رصيد رجل الدين ياسر عودة 40 عاماً من الدراسة الحوزوية وتدريس المقدمات والسطوح والسطح العالي، قضاها متنقلاً بين قم وجبل عامل طالباً عند كبار الأساتذة مثل محمد حسن ترحيني والدماوندي، وعادل العلوي، والهرندي، تلميذ المرجعين الخوئي والسيستاني، وصولاً إلى البحث الخارج في بلاده ثم إعلان اجتهاده دون طرح نفسه للمرجعية، وبصوته وصورته عشرات المقابلات عن رأيه في وجوب مقاومة إسرائيل “حتى قطع النفس” وحماية البلاد من خطرها الوجودي على لبنان والأمة، ورفض نزع سلاح المقاومة، ودمّرت إسرائيل بيته تماماً ونزح مع نازحي الضاحية، لكن كل هذا يغدو بلا اعتبار حين يتسلح “أبضاي” من حزب الله بتهمة “سب السيّد” ويقرر أن طريق القدس يمرّ من جسد ياسر عودة هذه المرة.

لم يصدر الحزب بياناً رسمياً، لكن مقربين منه تصرفوا بمسؤولية عالية كما لو أنهم تلقوا توجيهاً، فسارعوا إلى نقل معلومات للإعلام تؤكد أن الحادثة لم تكن بتوجيه من قيادة الحزب، وهو ما ساهم بتهدئة الأجواء، وتخفيف التوتر.

ومثل أستاذه المرجع محمد حسين فضل الله، تلميذ الصدر الأول، تفلت مفردات عراقية كثيرة بين كلمات ياسر عودة، وتتسرب اللكنة النجفية بوضوح أحياناً إلى حديثه، وتولى لسنوات إمامة مسجد السجاد في حي السلّم، وسط ضاحية بيروت الجنوبية، الحي الفقير الذي كان مأوى جالية العراقيين الفارّين من جحيم صدام ونظامه، وملجأ من “حواجز الدرك الطيّارة”، التي تبحث عن المقيمين بصورة غير شرعية، وحين صدر قرار بتجريد عودة من مسجده، تغيب كثير من المصلين، وامتنع الأئمة عن شغل الفراغ، حتى رجع عودة إلى منبره.

وبين مرجعية فضل الله التي يمثلها ياسر عودة، والعراقيين وشائج عميقة تصل إلى أعلى هرم السلطة، كما في علاقته بحزب الدعوة، وما زالت حركة بعض رجال الدين مشتركة بين الطرفين، مثل الخطيب المفوّه فيصل الكاظمي، وهو أحد العراقيين القلائل الذين يلقون محاضرات من قناة مرجعية فضل الله (الإيمان)، وقناة حزب الدعوة (آفاق)، فضلاً عن إحياء مجالس حسينية لرجال الصف الأول في الحزب، ولذا فإن وصول الاعتداءات إلى المساس بعودة، قد تجد أصداءً عراقية أيضاً.

يعترض عودة منذ سنوات على حال المسلمين وكل شعوب المنطقة، لا يمنح حزب الله حصانة وقداسة أو استثناءً من المسؤولية عن فساد البلاد وفق التقليد المعروف بين الخطباء سابقاً، ولا يتوقف عن “المطالبات الإصلاحية”، ويقول إن الطريقة الوحيدة لإسكاته مادياً ليس الاستمرار بالتهديد والحصار وقرارات منع الظهور وإخفائه من كل الشاشات والراديوات كما فعلوا، بل إطلاق رصاصة على جسده المادّي. ويعتقد أن مساره يزعج كثيرين اعتقدوا بأن رحيل فضل الله المفاجئ هو نهاية لهذا التيار. ينتقد عودة ما يقول إنه تغيير أصاب منهج المجلس الشيعي الأعلى في لبنان “فقد أسسه الإمام المغيّب موسى الصدر على ضرورة توحيد المسلمين بينما سيطر على المجلس مَن يقرّون لعن رموز المذاهب، كما أباح الصدر صلاة المسلم في الكنيسة ثم حرّمها اللاحقون” وفقاً لحديث عودة الذي تلقى عقاباً على آرائه بأن أصدر المجلس قراراً بخلع عمامته.

نهار الأمس.. خرج ياسر عودة من عمله متجهاً إلى البيت، وكان بانتظاره كامل شحرور وشقيقه، وفقاً لمحامي عودة، وشحرور هذا شخصية بسيرة ذاتية مجهرية، هو مختار لحيّ الباشورة، لكنه ليس مختاراً مثل المخاتير يسمع حكايا فيروز، بل مختار عن حزب الله، وفوق هذا.. هو مختار عن حزب الله تم إقناعه بأن ياسر عودة “سبّ السيد”.. فصار شخصاً مركّب الأبعاد والهرمونات والقدرات والسلوك والشعور بالشرعية المطلقة.. يقول نجل ياسر عودة إن أباه سأل هذا المختار المقاوم عن دليله حول “الإساءة للسيد” لكن المختار بوقته الضيق تبعاً لمنصبه الرفيع، بدأ سلسلة لكمات على وجه عودة حتى أصاب فكّه وفقد “المتهم بسبّ السيد” القدرة على النطق، فلا وقت للنقاشات والحوار ومراجعة الأدلة.

اتصل الحزب بالرجل المصاب لمواساته، ولم تقتصر الإدانات هذه المرة على الخصوم المناهضين لهيمنة حزب الله وإيران، فالرفض صدر أيضاً من بيئة الحزب، وليس فقط كرامةً لإنسانية الضحية، بل ضمن سلسلة من الأسئلة عن مدى سيطرة القيادة الجديدة المتمثلة بالأمين العام نعيم قاسم على جمهوره، فحوادث الاعتداء على قوات الأمم المتحدة تتكرر رغم التوجيهات الواضحة من الثنائي الشيعي بالكفّ عن ذلك، وكان الأمر أكثر انضباطاً في عهد القيادة السابقة، وحتى حوادث الاغتيال العديدة التي جرى اتهام الحزب بها ونفى الحزب علاقته بها، كانت أكثر تخطيطاً وتنظيماً ولم تكن حوادث عشوائية ومحرجة، وهو ما يعيد النقاش الداخلي لبنانياً وشيعياً عن مدى حاجة الحزب إلى مراجعة على مستوى العلاقة بالجمهور، وبالآخر المختلف، تبعاً للوقائع والمستجدات.

Exit mobile version