مسيرة من المسرح حتى الصحافة

بغداد تجتمع في المدى لرثاء علاء حسن كاتب بغداد الساخر (صور)

شارع المتنبي (بغداد) 964

نظّم “بيت المدى” في شارع المتنبي وسط بغداد، صباح الجمعة، جلسة تأبين خاصة لاستذكار المسرحي والصحفي العراقي علاء حسن العتابي، الذي رحل مطلع هذا العام بعد صراع مع المرض، مخلفاً وراءه بصمة خاصة في الصحافة والإذاعة وكتابة العمود السياسي الساخر.

حضر الجلسة عدد من أصدقائه وزملائه وأفراد عائلته، وتحولت إلى شهادة حيّة في مسيرة رجل عُرف بسخريته الرفيعة، وأسلوبه المتفرّد في تحويل الوجع اليومي إلى كوميديا ذكية لا تجرح ولا تُهاجم، بل تفتح نوافذ الفهم والتأمل.

سباق عراقي إيراني في لندن على خرائط الحرب.. مفكر كويتي ي...

سباق عراقي إيراني في لندن على خرائط الحرب.. مفكر كويتي يسترجع "برنارد شو" العراق

فلاح حسن – شقيق الراحل علاء لشبكة 964:

ترك علاء غصّة كبيرة في أنفسنا وفاجأنا بهذه الرحلة الأبدية.

علاء الذي كان يخفّف عن الجميع، حتى في أيامه الأخيرة. قيل لنا إنه، في آخر لحظات حياته، كان يسخر حتى من الموت وفي آخر مرة قال لي، “لا تبكِ، فهكذا هي الحياة وسنلتقي فيما بعد”.

كان هو من يشد أزري حتى لا أحزن، يسخر من الوجع، ويمازح الموت وكأنه لا يأخذه على محمل الجد. وهكذا رحل، بنفس الطريقة التي عاش بها: ضاحكًا في وجه المصير.

بدأ علاء حياته معلماً، فقد تخرّج من دار المعلمين، ومارس التدريس قبل أن يختار أن يعلّم الناس بأسلوب مختلف: عبر المسرح، ثم الصحافة، ثم الإذاعة. كتب المسرحيات منذ أيام المتوسطة والإعدادية، وأبدع في النصوص الساخرة، التي جمعت بين الألم والفكاهة، بين النقد اللاذع والابتسامة الذكية.

ترك سلك التعليم متجهًا إلى الصحافة، حيث عمل في مؤسسات مختلفة منها مجلة الصدى، وصحف خليجية، ثم الصحافة الأسبوعية نهاية التسعينات، قبل أن يستقر به المقام في صحيفة المدى، كاتباً لعمود يومي مميز تحت اسم “نص ردن”.

كنا نلتقي دائمًا في بيت العائلة، وخصوصًا في أحلك الظروف. في فترة الاقتتال الطائفي، كان علاء هو من يُخفف هذا الشدّ اليومي الذي نعيشه، كان صاحب النكتة، والموقف الساخر. لا يمرّ يوم إلا وهو يُضحكنا، يُمازحنا، يربّت على جراحنا بكلماته.”.

في أرشيفه الإعلامي، يفخر الكثيرون بتجربته في مجلة الصدى وجريدة الخليج في الإمارات، حيث كتب وأبدع في مؤسسات إعلامية محترفة، وكانت تلك مرحلة مهمة من مسيرته المهنية، حيث عرف معنى الكتابة اليومية، والاشتغال الصحفي المنتظم، والتعامل مع جمهور واسع.

علي حسين – مدير تحرير صحيفة المدى لشبكة 964:

تربطني بعلاء حسن علاقة قديمة، تعود إلى مطلع الثمانينات، عندما كان في خطواته الأولى نحو الصحافة.

وفي منتصف التسعينات، حين أسستُ بعض الصحف الشبابية، كنت أعتمد عليه ككاتب في مجال الكتابة الفنية والساخرة. علاء، بالأساس، كان كاتباً مسرحياً متميزاً، كتب عدداً من المسرحيات، وكنت ضمن اللجنة التي شجعته على دخول هذا المجال، بل وفاز ببعض الجوائز آنذاك.

على المستوى الشخصي، كانت علاقتي به وبعائلته علاقة كبيرة. والده، حسين العتابي، كان من الشخصيات الوطنية المعروفة، وأشقاؤه أصدقائي، وكل العائلة مشهود لها بالوعي والنضال.

كنا نعمل معًا في الصحافة، وكنت دائمًا أرى في علاء كاتبًا ساخرًا يملك أسلوبًا خاصاً لا يشبه أحداً، يكتب النقد الاجتماعي والسياسي بسخرية راقية، غير مباشرة، لا تصل حد الجرح أو الفجاجة، وهو ما نفتقده كثيرًا اليوم.

لذلك شجعته على كتابة عمود أسبوعي في صحيفة “المدى”، وظل يكتبه لسنوات.

وكان من كتاب الجريدة الثابتين، لكن للأسف، تشتت اهتماماته بين الإذاعة والتلفزيون والمسرح، مما حال دون تكريسه الكامل في أحد هذه الحقول، رغم تميزه الواضح في كل منها.

عمل في الإذاعة بشكل خاص، وكان مذيعاً بارعاً، وقدم برامج تلفزيونية وإذاعية ذات طابع ثقافي وإنساني. ولكن المرض، الذي تسلل إلى دمه في السنوات الأخيرة، خطف منه فرصة أن يواصل ويكمل مشروعه الكتابي.

علاء، ابن مدينة الناصرية، من عائلة شيوعية معروفة، والده كان من مسؤولي التنظيمات، وعاشوا لاحقاً في بغداد بعد ملاحقات أمنية. العائلة قدمت شهداء، من بينهم شقيقه سامي، وأفرادها معروفون في الوسط الثقافي والوطني، ومنهم جمال العتابي، الناقد المعروف.