أشاد بـ "توازن السوداني"
“العراق الضخم بلا آباء يقولون كفى”.. دلاور علاء الدين في “روما ميد”
964
أجرى الرئيس المؤسس لمعهد أبحاث الشرق الأوسط، دلاور علاء الدين حواراً مطولاً مع الأكاديمي الإيطالي باولو ماغري على هامش حوارات “روما ميد” وقد تطرق إلى المرحلة الحساسة التي يمر بها العراق، وحاجة البلاد إلى آباء مؤسسين يستثمرون الإمكانات الضخمة المتوفرة نحو علاقة مثمرة مع قوى المنطقة والعالم، كما أشاد بدور حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في الحفاظ على توازن علاقات العراق مع مختلف القوى المتصارعة، وفيما يلي نص الحوار:
باولو ماغري:
دلاور علاء الدين هو الرئيس المؤسس لمعهد أبحاث الشرق الأوسط ووزير التربية والتعليم والبحث العلمي السابق في حكومة إقليم كردستان وأستاذ الطب في جامعة نوتنغهام وهو أيضاً صديق.. كنت أسمعك في هذا اللقاء وفي لقاءات سابقة وكنت دائماً واضحاً جداً في تقييم ما يحدث في العالم ولكننا الآن نركز قليلاً على بلدك لأنه بينما يتصاعد التوتر في الشرق الأوسط، يتعين على العراق أن يوازن علاقته مع كل من الولايات المتحدة وإيران.. كيف ينعكس ذلك على وضع بغداد الدولي؟
دلاور علاء الدين:
لقد مررنا بفترة معقدة وصعبة جداً على مدى العقدين الماضيين لكن مؤخراً ومع تنصيب رئيس الوزراء الجديد كانت البيئة أفضل أو مختلفة على الأقل.. النظرة الأمريكية حول الشرق الأوسط والعراق اختلفت وإيران أكثر واقعية.. لكن داخلياً أيضاً الجميع يريد من رئيس الوزراء تحسين الحياة للجميع، لذا فإن هذه الحكومة وجدت نفسها في تعامل مباشر مع كل من الولايات المتحدة وإيران ولكنها احترافية حتى الآن وبكل ثقة.
على سبيل المثال، ذهب رئيس الوزراء إلى إيران وقال أنتم شركاؤنا الاستراتيجيون، أنتم أكبر جيراننا، أنتم مهمون جداً بالنسبة لنا ولكن لا ينبغي أن تكون علاقتنا على حساب الأمريكيين الذين هم أيضاً مهمون جداً بالنسبة لنا.
ثم ذهب إلى واشنطن وقال لهم نفس الشيء تماماً، وقال لهم إن علاقتنا معكم يمكن أن تتطور في الواقع إلى شيء استراتيجي ويمكننا تبادل المنفعة، ولكن لا ينبغي أن يكون على حساب إيران التي كانت في الواقع حاسمة في كثير من الأحيان.
وأيضاً كان نهجه في السياسة الخارجية بشكل عام والتعامل مع الجيران على قدم المساواة، أي أن كل علاقة مع كل دولة يجب أن تكون مبنية على المصلحة البراغماتية المتبادلة كما هو الحال في التعاون في الاستثمار.
لذا فإن هذه الروح غيرت العلاقات مع تركيا ومع الخليج وكذلك مع الدول الأخرى في المنطقة بما فيها مصر والأردن.
تخيل أن الخليج وكذلك الولايات المتحدة كانوا ينظرون إلى هذه الحكومة العراقية بعين الريبة في البداية لأنها نتاج الإطار التنسيقي الذي تهيمن عليه القوى الموالية لإيران، بما في ذلك قوات الحشد الشعبي، ولكن مع ذلك كان (السوداني) قادراً على كسب ثقتهم وحتى دعوتهم للاستثمار في العراق.. لأول مرة نرى استثماراً من هذه البلدان في العراق، وهذا يوضح حجم الثقة بالعراق على المدى الطويل.
باولو ماغري:
لقد توقعت سؤالي التالي الذي كان عن السوداني رئيس الوزراء، لقد قدمت بالفعل تعليقاً إيجابياً على ما يفعله على المستوى الدولي ولكن دعني أنتقل إلى نهجه الداخلي.. هل يمكننا التحدث عن استقرار نسبي داخلياً؟
دلاور علاء الدين:
نعم.. على المرء أن يتذكر أن مشاكل العراق الهيكلية ما تزال موجودة.. لدينا دولة هشة تعمل بمؤسسات ضعيفة، وقد فشلت هذه النخبة التي تتولى السلطة اليوم منذ 21 عاماً في ترجمة الدستور إلى خريطة طريق لبناء دولة قوية ذات سيادة.
ونحن نكافح بصعوبة من أجل تحقيق التوازن بين الدولة والجهات غير الحكومية، إلى جانب الاقتصاد الذي يعتمد على النفط، بوجود عدد سكان ينمو أكثر من مليون كل عام، والآن وصل إلى 45 مليوناً.. لذا فكل هذه المشاكل هي موجودة بالفعل، ولكن هذه الحكومة لا تدعي بأنها سوف تعالجها جميعها.
لكن كل ما فعلته الحكومة بنجاح هو حشد دعم جميع القوى الموجودة في جميع أنحاء البلاد، ومن ثم إقناع البرلمان بالموافقة على أكبر ميزانية في تاريخ العراق وهي ميزانية ثلاث سنوات دفعة واحدة، واستثمارها في البنية التحتية ومشاريع عملاقة كبيرة من شأنها أن تجذب الجيران وكذلك العراقيين وتخلق فرص عمل أيضاً، وحاولت أيضاً تحسين العلاقات بين المركز والأطراف، لذلك فإن إشراك جميع الجهات الفاعلة داخلياً بطريقة بناءة مع التركيز على الخدمات والبنية التحتية، عبر حوارات سياسية بناءة جعلت العراق أكثر استقراراً، لدرجة أنه حتى تشكيل هذه الحكومة كانت الجهات الفاعلة غير الحكومية.. أما الفصائل على سبيل المثال فإنها تفعل شيئاً خاصاً بها وتتصرف بشكل مستقل على الرغم من عدم وجود أحد للتفاوض معه على أي طريقة للمضي قدماً معه، في حين أن هذه الحكومة تتعامل معهم باستمرار، وتمكنت من منعهم كما فعلت مع الحشد الشعبي الذي منعته من جر العراق إلى أزمة غير ضرورية وتصعيد الصراع.
باولو ماغري:
أعتقد مما قلته أنه جو نقي أعني أننا هنا في “روما ميد” والجو ليس إيجابياً دائما، إذا جاز لي أن أقول نحن ننتظر الموقف المحتمل في لبنان ولكن المناقشات الدولية مستمرة حول ما يحدث، ولا أستطيع أن أقول إنها إيجابية للغاية ولكنك تعطينا سبباً للأمل في بلدك، هل يمكنني القول بأن موقف حكومة كردستان يعكس ما قلته؟
دلاور علاء الدين:
حكومة كردستان دائماً ما تجد نفسها تواجه مشاكل في التعامل مع بغداد طوال فترات الحكومات المتعاقبة، مع هذه الحكومة كانوا قد بدأوا بداية جيدة جداً، حيث أقاموا اتصالات جيدة، وكذلك التواصل بين رئيس الوزراء الاتحادي في بغداد ورئيس وزراء الإقليم عبر علاقة ودية للغاية، حيث يعالجون القضايا ويتواصلون ويحاولون إيجاد حل وسط، لكنهم لم يتمكنوا من تحويل ذلك إلى التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع، والمشكلة هي أن العلاقة بين بغداد وأربيل تحتاج إلى إضفاء الطابع المؤسسي وتحتاج إلى الكثير من التشريعات لدعم العلاقة وتقاسم الموارد وتقاسم السلطة وكذلك احتضان إقليم كردستان كجزء لا يتجزأ من العراق، لذلك أود أن أقول دائما وأذكر زملائي الكرد بأنه يجب أن يفعلوا ما يكفي للذهاب إلى بغداد وكسبها وإبداء رغبتهم أمامها بتقاسم السلطة وبأن يكونوا جزءاً من المشهد، وعليهم توحيد أصواتهم في كردستان قبل أن يذهبوا إلى بغداد، لكنهم لم يفعلوا ذلك بفعالية، على العكس من قادة بغداد، الأغلبية من الأحزاب مثل الشيعة لم يحتضنوا الكرد كمواطنين من الدرجة الأولى.
في الواقع انظروا كم تبقى في الدستور من ثغرات تتعلق بالعلاقة مع كردستان، وهم لا يرون الكرد حقاً كنظراء في السلطة بالتساوي بما يغنيهم عن التفكير بالاستقلال، وأن يفكروا باقتصاد مستقل وسياسة مستقلة، لذلك لم يذهب الجانبان إلى هذا التكامل بالدرجة التي تتوقعها من أي دولة تبحث عن الاستقرار، وهذا يعني أن هذه الحكومة حققت تقدماً كبيراً في منع تصعيد الأزمة، وهناك دائما أزمة لكنهم لم يسمحوا لها بالخروج عن السيطرة، ومع ذلك لم يتمكنوا من وضع حل لمشكلة النفط ومشكلة الميزانية، إلى جانب مشكلة الأراضي المتنازع عليها، حيث أنها صراعات كبيرة وستستمر ربما لبعض الوقت في المستقبل.
باولو ماغري:
كما قلت دكتور واسم عائلتك هو اسم تاريخي شهير (علاء الدين) ومرتبط بأسطورة المصباح السحري.. لذلك دعني أسألك وأطلب منك ذكر ثلاثة أشياء أو بنود لعملها بما يعيد تشكيل المنطقة ومنحها المستقبل والسلام والازدهار..
دلاور علاء الدين:
نعم، إن ديناميكيات الأمن وكذلك السياسة والاقتصاد في المنطقة تمكنك في الواقع من النظر إليها مثل البصلة في طبقات مختلفة، لدينا ديناميكية محلية داخلية مرتبطة بشكل مباشر جداً بالديناميكية الإقليمية وصولاً إلى الديناميكية العالمية والتي تشمل تنافس القوة على جميع المستويات الثلاثة، نحن نفتقر إلى شيء كبير حقاً وهو القيادة التي عانينا منها على المستوى العالمي، أي قوة واحدة تأتي في إشراك الجميع بشكل بناء وتوفر القيادة لتحقيق الاستقرار من أجل الحوار ومن أجل الاستثمار ومن أجل الاتفاق الجماعي.
إن هذه المنطقة تحتاج إلى أن تكون مستقرة، وما زال الجميع يبحث عن ذلك الدور.
الولايات المتحدة في وضع قوي لتوفير تلك القيادة لكنهم ينخرطون وينفصلون ويفعلون شيئاً تدخلياً ثم ينسحبون، لذا فإن هناك عدم يقين تجاههم وتغيير الإدارة لا يسمح بأن تكون أوروبا في وضع قوي.
نحن واثقون من أن لديهم سجلاً جيداً في إنقاذ العراق من الانحدار وداعش ومن التفكك وقد استثمروا بجدية في الماضي والناس يثقون بهم ومع ذلك لم يأتوا لملء الفراغ.
توفير القيادة الفاعلة لا يعني أن الجيش يفعل ذلك ولا يعني المزيد من المال بل يعني فقط الانخراط السياسي من قبل الجانب الغربي، وفي الجانب الشرقي لا نرى أي محاولة تأتي وتقود عملية تؤدي إلى الاستقرار، وهذا هو الجانب الخارجي، أما الجانب الإقليمي، فعندما تنفصل الولايات المتحدة أو القوى العالمية أو تتركنا لوحدنا فغالباً ما تنشأ قوى إقليمية وتزداد قوة، لكن لا أحد منهم مهتم بجعل العراق ديمقراطياً مستقراً، وغالباً ما تجد تلك القوى في لحظة أنها تتنافس بينها على الأرض من أجل النفوذ، لذلك تجد القوى الإقليمية ما تزال في صراع مع بعضها البعض، وهنا نبقى في معاناة من العواقب لأنها مرتبطة بشكل مباشر بالدولة والجهات الفاعلة الفرعية وغير الحكومية داخل البلاد.
إذن لدينا مشكلة في القيادة، داخلياً لم يكن لدينا شخصيات أبوية ولم تكن لدينا جهود كبيرة من الأحزاب العراقية أو من عموم العراقيين، لنقول كفى لدينا بلد ضخم ومهم جداً في المنطقة ولدينا موارد ضخمة تحت الأرض وموارد ضخمة على الأرض متمثلة بالموارد البشرية، وكيف يمكننا تحقيق أقصى استفادة منها وأن نتصرف كدولة طبيعية وننخرط ليس فقط في الجانب الأمني والسياسي لهذه المنطقة ولكن أيضاً في قيادة عملية حيث يمكننا الدعوة للمشاركة الاقتصادية مع الخليج.. يمكننا ذلك في الواقع، تحقيق السلام مع الدول الأخرى من خلال إزالة العوائق الأمنية، ولدينا القدرة حتى مالياً على القيام بذلك داخلياً.
لقد وصلنا الآن إلى مرحلة أدرك فيها القادة فشلهم، وأدركوا أن المستقبل يمكن أن يكون أفضل بكثير، ويتصرفون أحياناً كما لو كان لديهم مستقبلهم الخاص.
نحن الوحيدون الذين نستطيع التحدث مع العرب والأتراك وكذلك الإيرانيين، ناهيك عن الأوروبيين والأمريكيين، وداخلياً لدينا كل الديناميكية التي يمكن أن تساعد.
باولو ماغري:
لقد تركتني أكثر تفاؤلاً بالسؤال الأول بشأن بلدك مقارنة بالسؤال على المستوى الإقليمي ولكن كما قلت في البداية لديك دائماً وضوح وتقييم صادق ولذلك كان من دواعي سروري أن استمع إليك، شكراً جزيلاً لك.
دلاور علاء الدين:
شكراً لك باولو.. على الرحب والسعة.