"بايدن يستولي على النفط"
مسؤول في معهد الحزام والطريق يطالب السوداني بتحرير أموال العراق من أميركا
964
أورد تقرير نشره موقع “ذا كريدل” The Cradle المتخصص بقضايا غرب آسيا، تسلسلاً زمنياً منذ التسعينات لملف وضع أموال النفط العراقي في الولايات المتحدة، وقال معد التقرير حسين العسكري وهو نائب رئيس معهد الحزام والطريق في السويد، إن على رئيس وزراء العراق محمد السوداني تحرير أموال بلاده، لأن بقاء مبالغ النفط في الولايات المتحدة مخالف لقرار مجلس الأمن رقم 1956 الصادر عام 2010، والذي ينص على إغلاق صندوق التنمية في عام 2011، ونقل العائدات جميعها إلى الحسابات الخاصة بالحكومة العراقية، لكن الصندوق ظل مفتوحاً، ومتجاهلاً قرار مجلس الأمن الدولي، وبقيت الإدارات الأمريكية المتعاقبة حتى عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن تتحكم بأموال النفط العراقي.
لماذا لا يسحب العراق دولاراته من بنوك أمريكا؟ 4 خبراء يجيبون
قرار بايدن تمديد الطوارئ في العراق يحمي أموال بغداد - خبير عراقي
تقرير “ذا كريدل”، ترجمته شبكة 964:
في تموز الماضي، أوقف البنك المركزي العراقي جميع المعاملات الأجنبية باليوان الصيني، بعد ضغوط من البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وكان العراق سمح للتجار العراقيين باعتماد اليوان في تعاملاتهم مع نظرائهم الصينيين مطلع عام 2023، بعدما أدّت القيود الأميركية على وصول العراق إلى الدولار الأميركي إلى أزمة بسبب ارتفاع الطلب على الدولار.
ورغم أن معاملات اليوان لم تشمل مبيعات النفط العراقي إلى الصين والتي بقيت بالدولار الأميركي، إلا أن الولايات المتحدة اعتبرت ذلك تهديداً لنفوذها. لكن كيف يمكن للولايات المتحدة أن تمارس مثل هذه السيطرة الكاملة على السياسات المالية العراقية؟ للإجابة عن هذا السؤال، نحتاج إلى العودة إلى عام 2003.
منذ عصر الثاني والعشرين من أيار 2003، عندما وقع الرئيس جورج دبليو بوش الأمر التنفيذي رقم 13303، بدء إيداع كل دولار ناتج عن مبيعات النفط العراقي مباشرة في حساب مصرفي في فرع بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. ومنذ ذلك الحين، يتم تجديد هذا الأمر التنفيذي في أيار من كل عام من قبل الرئيس الأميركي العامل. ويحمل الأمر التنفيذي رقم 13303 عنوان “حماية صندوق التنمية للعراق والممتلكات الأخرى التي للعراق مصلحة فيها”، وهو ما يعني ضمناً أن عائدات النفط العراقي تخضع للسيطرة المباشرة لرئيس الولايات المتحدة، وليس للحكومة العراقية.
عندما غزا نظام صدام الكويت في 2 آب عام 1990، دعا قرار مجلس الأمن رقم 661 في 6 آب 1990 العراق إلى سحب قواته، وإلى وقف كامل لجميع الصادرات والواردات من العراق وإليه. رفض صدام حسين الانسحاب، فشن تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة عملية “عاصفة الصحراء”.
بعد تحرير الكويت، وافق مجلس الأمن في 8 نيسان 1991، على القرار رقم 687 الذي أنشأ نظام عقوبات اقتصادية شاملاً على العراق باستثناء بعض المواد الغذائية والأدوية، وأنشأ لجاناً تابعة للأمم المتحدة للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل العراقية. أدخل القرار 687 العراق في حقبة من الاختناق الاقتصادي والإذلال والجوع والفقر، ومهّد الطريق للاجتياح غير القانوني للعراق عام 2003. وجاء صندوق “النفط مقابل الغذاء” الشهير نتيجة لهذه القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة وتوفي أكثر من مليون عراقي بسبب العقوبات، نصفهم من الأطفال. واعترفت وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت في مقابلة شهيرة أجرتها مع برنامج “60 دقيقة” على قناة “سي بي إس”، عام 1996، بهذه الحقيقة. ورداً على سؤال عما إذا كان موت نصف مليون طفل عراقي مبرراً، قالت إن الأمر “كان يستحق هذا الثمن”.
بعد الغزو الأميركي البريطاني غير القانوني للعراق في آذار 2003، أصبح الاحتلال حقيقة واقعة بعد انهيار نظام صدام. أمام الأمر الواقع، كان على مجلس الأمن الدولي أن يقبل الوضع الراهن الجديد. ووفقاً للقانون الإنساني الدولي، أصبحت القوات الأميركية والبريطانية المحتلة مسؤولة عن حياة العراقيين الذين يعيشون تحت سلطة الاحتلال، ولذلك، صدر قرار مجلس الأمن رقم 1483 في 22 أيار 2003.
وقد نص القرار على إنشاء سلطة التحالف المؤقتة بقيادة الولايات المتحدة، تكون المسؤولة عن إدارة شؤون العراق، والمخوّلة بالتصرف بالموارد المالية والاقتصادية للبلاد. كما نص القرار على إنشاء صندوق تنمية العراق الذي تحّول إليه عائدات النفط العراقي، كما نص القرار على إلغاء العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق، وإنهاء برنامج “النفط مقابل الغذاء” ونقل الأموال المخصصة له والمسؤولية عنه إلى سلطة التحالف المؤقتة.
لم يذكر القرار 1483 بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ولا مكان المقر الرئيسي لصندوق تنمية العراق أو مقر الحساب. بل نص على أن هذا المقر “سيكون في عهدة البنك المركزي العراقي”. إلا أن سلطة التحالف المؤقتة بقيادة أحد المحافظين الجدد بول بريمر، والتي اقترحت على الأمم المتحدة إنشاء الصندوق، قررت وضع رقم الحساب الخاص بصندوق تنمية العراق في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وفي اليوم نفسه، في 22 أيار 2003، وقع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش على الأمر التنفيذي 13303.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن هذا لم يكن مجدداً جزءاً من قرار مجلس الأمن. وقد جدد الرؤساء المتعاقبون منذ جورج بوش الأمر التنفيذي 13303 في أيار من كل عام، كما فعل الرئيس جو بايدن في 16 أيار 2023.
كيف تسير الأمور؟
طريقة إيداع عائدات مبيعات النفط العراقي في حساب صندوق تنمية العراق في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك بسيطة. يقوم المشترون (معظمهم من العملاء الصينيين وآسيويين آخرين) بإصدار خطاب اعتماد من بنكهم إلى هيئة تسويق النفط العراقية (سومو) المملوكة للدولة. عند تسليم النفط وتحويل الأموال من حساب المشتري إلى الحساب العراقي للصندوق في نيويورك، تنتهي مهمة سومو. من تلك النقطة، تتولى وزارة الخزانة الأميركية العملية، وليس البنك المركزي العراقي. للحصول على المال لتغطية احتياجات الحكومة العراقية، ترسل وزارة المالية العراقية فاتورة إلى وزارة الخزانة الأميركية، عبر البنك المركزي العراقي، لاسترداد بعض أموال النفط، وتحدد فيها مقدار الأموال التي تحتاجها وكيف ستُنْفَق.
يتحقق مسؤولو وزارة الخزانة الأميركية من القائمة في الفاتورة، ويوافقون على بنودها. وأحياناً قد يتم رفض بعض البنود لأسباب تتعلق بـ “الأمن القومي” الأميركي. عندما توافق وزارة الخزانة على البنود، تُجَهَّز شحنة الدولارات الأميركية، وتُنقل بالطائرات إلى مطار بغداد. يحدث هذا شهرياً، مما يجعل 40 مليون نسمة ينتظرون وصول أموالهم من الولايات المتحدة ليتمكنوا من الحصول على رواتبهم وشراء الطعام والدواء والضروريات الأخرى.
في أي وقت تشعر الحكومة الأميركية بأن الحكومة العراقية لا تنصاع بما فيه الكفاية لأهدافها في المنطقة، تخفّض شحنات الطائرات من الدولارات. فعندما صوّت مجلس النواب العراقي على طرد القوات الأميركية من العراق في كانون الثاني – يناير 2020، بعد اغتيال الولايات المتحدة للقائد الإيراني اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس، في بغداد، هددت إدارة الرئيس دونالد ترامب بمنع وصول العراق إلى الأموال الموجودة في حساب الاحتياطي الفيدرالي. لذا، فإن العراق، عملياً، ليس دولة ذات سيادة، ولا يزال تحت الاحتلال، ويُتَحَكَّم في سياساته بشكل تام من خلال هذه الآلية القائمة منذ عام 2003.
علاوة على ذلك، فإن الحكومات العراقية غير قادرة على وضع خطط طويلة الأجل لإعادة الإعمار والتنمية، بسبب نقص الأموال الخاضعة للسيطرة السيادية. وبدلاً من ذلك، يُنصح بالاقتراض من المصادر التجارية، ومن الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما لتمويل البنية الأساسية الضرورية وغيرها من المشاريع المهمة. وبينما تتراكم عائدات النفط العراقية في حساب بنك نيويورك (المقدر اليوم بنحو 120 مليار دولار أميركي)، تتراكم ديون العراق، وتصل إلى مبلغ مماثل بحلول ربيع هذا العام. لكن هناك أمراً واحداً تستطيع الحكومة العراقية القيام به وهو شراء سندات الخزانة الأميركية. ومن ثم، أصبحت الحكومة العراقية إحدى أكبر المشترين لهذه السندات باستثمارات تصل إلى 41 مليار دولار عام 2023.
مجلس الأمن يلغي الصندوق عام 2010
لم يعد العراق خاضعاً للاحتلال، رسمياً على الأقل، منذ وقع على اتفاقية “الإطار للتعاون الاستراتيجي” مع الولايات المتحدة عام 2008، والتي تنص على أن القوات الأميركية موجودة في العراق بناء على طلب الحكومة العراقية.
في 15 كانون الأول 2010، صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على القرار رقم 1956، الذي طالب بإغلاق صندوق التنمية في موعد لا يتجاوز 30 حزيران 2011، و”نقل العائدات جميعها من الصندوق إلى الحساب أو الحسابات الخاصة بالترتيبات اللاحقة التي أنشأتها حكومة العراق”.
لكن الصندوق ظل مفتوحاً، وكذلك حسابه في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، متجاهلاً قرار مجلس الأمن الدولي. فقد كان إنهاء عمل مجلس الاستشارات والمراقبة الدولي التابع للأمم المتحدة للصندوق أحد الطرق لإخفاء الفساد الضخم وسرقة الموارد من قبل الجهات الفاعلة الأمريكية والعراقية.
الفساد غير المسبوق الذي انتشر في البلاد ومؤسساتها عائد إلى هذه السياسة. كميات النقد الضخمة التي تتدفق إلى البلاد، والمبالغ الفلكية التي تختفي دون حساب من مختلف الوزارات، والمصارف التي أنشأتها الجماعات السياسية التي جاءت مع قوات الاحتلال، حولت العراق إلى إحدى أكثر الدول فساداً في العالم.
بناء على كل ما تقدم يمكن اعتبار الإدارة الأميركية والحكومة العراقية مخالفتين لقرار الأمم المتحدة رقم 1956 الصادر عام 2010.