اعياد رأس السنة في العراق والحيرة بين مناسبتين

بغداد- 964

شارك رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، السبت، في قداس الميلاد المجيد داخل كنيسة سيدة النجاة ببغداد.

انتشرت في السنوات الأخيرة مظاهر أعياد الميلاد في عموم العراق، شارك في الاحتفال السكان العاديون فضلاً عن بعض المسؤولين مع المسيحيين في الكنائس واكتفى البعض الآخر بتقديم التهاني لهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

في الموصل ارتدى أحمد رجب زي بابا نويل، وهو شرطي مصاب ومقعد، وأخذ ينشر البهجة ويوزع الهدايا على الأطفال، كبادرة للمشاركة في هذه الاعياد.

في البصرة كذلك ارتدى محمد معروف زي بابا نويل، ووزع الهدايا على الأطفال في حي فقير.

رغم مشاركة الكثير من العراقيين من غير المسيحيين في هذه الأعياد، فإنهم لا يفرقون بدقة بين عيد الميلاد (الكريسماس) وليلة رأس السنة.

عيد الميلاد (الكريسماس) هو ليلة ال25 من كانون الأول، يزور فيها المسيحيون العراقيون كنائسهم، ليقيموا مراسيم قداس الميلاد اذ يتلو القس مع عدد من الأطفال شيئا من الكتاب المقدس عن ولادة المسيح، بعدها يوقدون شعلة ترمز للشعلة التي أوقدها الرعاة قرب مكان السيد المسيح حين ولادته.

يضع الأهالي الهدايا تحت شجرة الميلاد التي جهزوها مسبقا ليجدها الأطفال في اليوم التالي معتقدين أن بابا نويل هو من وضعها.

في صباح يوم 25 يتبادل المسيحييون التهاني والحلويات والمعجنات (الكليجة) خصوصا، ويعدون وليمة يدعون إليها الأقارب ويتزاورون فيما بينهم.

عيد الميلاد في العراق له تاريخ غني بالأحداث منذ العهد العثماني حتى اليوم.

احتفل المسيحيون بعيد الميلاد في العهد العثماني داخل كنائسهم، إذ منحت الدولة العثمانية الحرية الدينية بموجب نظام الملة الذي ضمن حرية العبادة وإقامة الشعائر لغير المسلمين، ومنحتهم ما يشبه الإدارة الذاتية لشؤونهم الدينية.

بدأت اعياد الميلاد تظهر أكثر في الحيز العام، بعد احتلال بريطانيا لبغداد ووصول الكثير من الجنود البريطانيين والهنود المسيحيين إلى العراق.

كتب المؤرخ البريطاني ريتشارد كوك في عام 1920 في كتابه، بغداد: مدينة السلام، أن “النطاق الرائع الذي تم فيه الاحتفال بأعياد الميلاد في الكنائس أدى إلى حضور الكثير من المسلمين، وقيل لنا أن هناك عادة شائعة في هذه الاعياد هي تصليح الناس للأديرة المهجورة في الحي للرقص والشرب والاستمتاع.”.

تبني التقويم الميلادي بدلا للتقويم الهجري بعد سيطرة البريطانيين على البلد زاد من انتشار ثقافة الاحتفال برأس السنة تدريجيا.

ساهم أيضاً مجيء الكثير من الموظفين والاطباء والاساتذة العرب من سوريا ولبنان وفلسطين ومصر في نشر ثقافة الاحتفال برأس السنة، تعاقدت الدولة العراقية الملكية مع هؤلاء لادارة مؤسسات الدولة لافتقارها للعراقيين المؤهلين في هذه المجالات.

هؤلاء جاءوا من ثقافات أكثر تعايشا مع الديانات الاخرى وأكثر انفتاحا وتعليما فضلاً عن استخدامهم للتقويم الميلادي.

توسع التعليم المدني في العراق فسح المجال للطلاب العراقيين للتعرف على الثقافات الغربية من ضمنها طقوس الكريسماس.

ما زاد ذلك أكثر هو دمج العراق في لاقتصاد الغربي بعد اكتشاف النفط.

برغم تغير الانظمة السياسية في البلد فإنها ابدت تسامحا دينيا تجاه الاحتفال بالكريسماس، استند هذا التسامح على نصوص دستورية ضمن الحريات الدينية.

نصت المادة السادسة في القانون الاساس لسنة 1925 “لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون، وان اختلفوا في القومية، والدين، واللغة”.

هذه الضمانة الدستورية تكررت باسلوب مختلف في الدساتير الجمهورية.

تواصل دمج العراقيين بين الكريسماس وعيد رأس السنة ليطلقوا على الاثنين تسمية واحدة شائعة هي اعياد رأس السنة.

تراجعت المشاركة في الاحتفالات بعد 2003، في ظل بروز الحس الاسلامي الديني بالهوية العامة الذي عنى اعتبار الكريسماس مناسبة دينية أكثر من ان تكون مدنية.

أبرز مظاهر تديين الكريسماس هي الاسئلة التي تثار حول الشرعية الدينية لمشاركة مسلمين في احتفال الكريسماس.

تراجعت المشاركة أكثر مع اندلاع الحرب الطائفية تواصل التراجع مع ظهور تنظيم داعش.

بدأ الكريسماس يستعيد الطابع المدني بهيئة احتفلات رأس السنة بصورة سريعة بعد 2017، وعادت المشاركة بالاحتفال بشكل واسع، إذ ساهم استخدام الناس للانترنت ومواقع التواصل الاجتماعية بذلك.

تحول الاحتفال برأس السنة إلى مناسبة عالمية كان عاملا آخر لانتشار هذه الثقافة في العراق، فضلاً عن تزايد تسويق ألعاب الأطفال والأفلام المرتبطة بأعياد الميلاد.

كان جزء من تزايد المشاركة بالاحتفال هو رد فعل شعبي تجاه الهوية الدينية، فازدادت محاولات بعث بوادر التسامح الديني مع المسيحيين الذين شهدوا اضطهادا وتهجيرا من قبل داعش.

احد مظاهر رد الفعل هذا هو السخط الشعبي في مواقع التواصل الاجتماعي على تصريحات مهدي الصميدعي مفتي الديار العراقية في 2018 وهو منصب حكومي يشغله عالم دين سني، والسيد علاء الموسوي رئيس ديوان الوقف الشيعي، التي عدت الاحتفال بأعياد الميلاد مناسبة للفسق والفجور ومشاركة المسيحيين عقيدتهم التي تختلف عن عقيدة المسلمين.

تحدى العراقيون هذه المواقف، وكانت مشاركتهم واسعة في الاحتفال برأس السنة في 2018.

في السنوات التالية تواصلت هذه الاحتفالات وأنتشرت بشكل أكبر، فيما يبدو استعادة حقيقة لعيد الكريسماس كاحتفال مدني يدور حول البهجة والتشارك، بعيدا عن الاختلافات الدينية.