"نمو واعد للهوية الوطنية"

964 تحاور شاكر الأنباري العائد من الدنمارك: الفوضى ستنتهي وهكذا أرى العراق

بغداد – 964

حسام السراي

الكاتب شاكر الأنباري، من بين الأسماء المهمة في خارطة الأدب العراقي، ليس فقط لمنجزه الروائي الواسع والمتجدد؛ إنما لجهة دأبه على الكتابة والتفاعل مع الظواهر الثقافية والاجتماعية العراقية، حتى وهو في محل إقامته (كوبنهاغن)، إذ لا يمر عام إلا وتجد الأنباري حاضراً في بغداد ومتفاعلاً مع المناسبات الثقافية فيها، متجولاً بين قديم الأحياء البغدادية وجديدها.

في معرض العراق الدولي للكتاب الأخير وقع روايته الجديدة الصادرة عن دار سطور “أموات في متحف الأحياء”، التي ابتدأها بمقطع من ملحمة جلجامش واختتمها بقصيدة “إيثاكا” لكفافي، وهو “يعد بطل روايته (مرتضى) بزيارة قادمة”، لعل في هذه الخاتمة ما يشبه وعده لبغداد التي يزورها دائمًا.

والأنباري من مواليد العام 1957 في محافظة الأنبار، وعاش في النجف ومناطق أخرى، وتنوع نتاجه الأدبي بين التأليف والترجمة وكتابة القصص والروايات، وهنا حوار معه عن الكتابة وبغداد وما يراه فيها..

حاجة روحية وكتابية

* كل عام نجدك في بغداد، أهي زيارة معاينة ومواكبة لما يحصل أم تجديد وصل مع المكان الأوّل؟

– التواصل مع المكان الأول حاجة روحية وكتابية لا يمكن لي تجاهلها؛ فعلى الصعيد الروحي أنا بحاجة دائمة للقاء الأصدقاء، والمعارف، كون ذلك اللقاء يضيف إلى ذاكرتي الجديد، والمتغير، في ما يجري في الوطن. في حين تحمل رواياتي سمة المكان الأول وتحولاته، ونمط شخوصه، مما يشكل مصداقية للنصوص التي أكتبها.

وبالتالي يقرّبني كل ذلك من التوازن النفسي الداخلي، خاصة وأن سمة العصر أصبحت تعني امّحاء المسافات، والأزمان، في ظل التطورات الهائلة التي تحدث في عالمنا اليوم.

الفوضى والعشوائية

* ما تلتقطه من علامات ومؤشرات في كلّ مجيء، هل هو في تصاعد أم انحدار في التقييم؟

– أبرز ما ألتقطه في كل زيارة لي للعراق، بمدنه وقراه وشوارعه، هو الفوضى، فهناك تباين هائل بين منطقة وأخرى، حتى داخل العاصمة، تجد منطقة متهالكة مثل الحيدرخانة، وقنبر علي، وبغداد الجديدة، وتجد مناطق مفعمة بالحياة والتطور مثل الوزيرية، والكرادة، وزيونة.

وهكذا تجد البشر الذين يعيشون على جمع القمامة، وتجد الأغنياء الذين يركبون أحدث موديلات السيارات، وبدخول عالية خرافية.

تجد مدينة تشهد إعماراً واضحاً، وأخرى تنهار يوماً بعد آخر، وهذا ما يشفّ عن عشوائية في التخطيط، وتلاعب في خطط التنمية والإعمار من قبل حيتان السياسة، والسماسرة والمزوّرين، ورعاة الصفقات المشبوهة.

الدولة غائبة عن الشارع خاصة في المناطق الفقيرة، وهذا ما جذب نظري في المناطق المهمشة حصراً، والشوارع الفرعية وكانت كثيرة فعلاً. لكن رغم كل ذلك ثمة إحساس بأن المجتمع المدني يترسخ كل سنة، وهناك مقاومة واضحة لخنق حرية التعبير، ومقاومة ضد الطائفية، ونمو واعد لبناء الهوية الوطنية العراقية، الهوية العابرة للطوائف، والأديان، والقوميات.

لا يهم أين أقيم!

* طاقة الكتابة في بغداد بم تختلف عما في محل إقامتك؟ هل من كتب للمقارنة بين ال “هنا” وال “هناك” ؟

– في مستقري بمدينة كوبنهاغن أعيش تفرغاً كاملاً للقراءة والكتابة والتأمل، وتخطيط الزمن القادم على صعيد حياتي الشخصية، بينما أفقد معظم تلك الأسس حين أعيش في بغداد وغيرها من المدن؛ إذ أندمج مع الفوضى العامة للبلد، ولا أملك الوقت الكافي للقراءة أو الكتابة؛ لأنني أكون عادة مشغولاً بالأصدقاء، وحضور الفعاليات الثقافية والاجتماعية، والسفر بين المدن، ولقاء أهلي في قريتي أو مدينتي.

عدا ذلك فأنا أنشغل خلال زياراتي بترصد تغيرات الأمكنة، والتجول في الأسواق، والجلوس في المقاهي، لكي أعيد ما انقطع خلال فترات غيابي، وهي حالة أجدها لذيذة ومفيدة تغني عالمي الداخلي وتنوعه. كما أن انتقالاتي من مكان إلى آخر، أو من بلد إلى آخر، تضع نشاطي الثقافي في مساحة حيوية جداً تدفعني لمواصلة مشروعي الروائي، وتطوير مهاراتي الثقافية.

نحن اليوم في فضاء عالمي للثقافة، ولا يهم أين يقيم الكاتب، وهذه حقيقة صرت أؤمن بها بقوة وترشدني في الحياة، سواء كانت حياتي الشخصية أو الأدبية.

لا طيران مباشراً إلى بغداد

* الكثير من تذاكر السفر والمسافات التي قطعتها بين كوبنهاغن وبغداد، أيُّ رحلة كانت الأصعب بين المدينتين؟

– قبل سنوات كان السفر على الخطوط الجوية العراقية ميسّراً، فخلال خمس ساعات يطير الشخص من مطار كوبنهاغن إلى مطار بغداد مباشرة وبأسعار معقولة، لكن الفساد المالي والإداري والمحاصصة الوظيفية، وغياب الرقابة، كما هو سائد في معظم الدوائر العراقية، دفع تلك الخطوط للتوقف لاحقاً، ما جعل المسافرين العراقيين إلى بلدهم يطيرون إلى إسطنبول تركيا ومن هناك يغيّرون طائرتهم لينتقلوا إلى بغداد، وبعض الأحيان يستغرق تغيير الطائرة ساعات طويلة، وهذا ما يجعل السفر متعباً حقيقة.

فترة وباء كورونا كانت هي الأصعب في السفر إلى بغداد بسبب الإجراءات المتشددة بشأن التطعيم ضد الوباء، لكنها فترة مرت بسلام.

جيل شاب.. بغدادي أنباري عراقي

*من تلتقيهم في بغداد أو الأنبار من الشباب، هناك من يقول إنّهم أقلّ تطرّفاً وأكثر حداثة وعصرنة من جيلكم؟ أهو حكم متسرّع؟

-في الأنبار وجدت الجيل الشاب أكثر اندماجاً مع الحداثة، بمعناها التقني والاجتماعي. وكانت تجربة الخروج من وطأة الفكر الديني المتطرف بليغة بين الشباب، بسبب ما عانوه من تهجير وموت وعدم استقرار. فالفكر الديني المتطرف يتناقض مع الحياة العصرية، وهذا ما وجدت أنهم اكتشفوه وراحوا يمارسونه ويدافعون عنهم، بشكل عام طبعاً. ينطبق ذلك على شباب بغداد والمحافظات كما أعتقد. جيلنا كان نخبوياً، وتقليدياً في ممارسة حياته الاجتماعية والفكرية، أما الجيل الجديد فهو جيل التقنيات الحديثة، والسفر، والمغامرة. لقد خرج من إسار الانغلاق الذي عاشه العراق عقوداً طويلة، وهذ هو الإيجابي في الوقت الحاضر.

المرحلة الفوضوية لن تدوم

*يقول أحد الكتّاب “نعيش اليوم موت السياسة في بغداد”، تتفق مع ذلك؟ وما الذي ينقذها وينقذ البلاد ولو بعد فوات؟

-المشكلة في بغداد، والعراق عموماً، هو أن السياسة تهيمن على كل مفاصل الحياة. والجو السياسي، كما نعرفه في العراق، جو مريض وموبوء، بسبب الأحزاب المتأسلمة، والمحاصصة الطائفية والقومية في إدارة شؤون البلد، لذلك يقع الفرد، بعض الأحيان، في لجة اليأس والإحباط حين يكتشف أنه لا يستطيع تغيير هذه المعادلة. التغيير يتطلب مواصفات أساسية لدى المجتمع مثل الهوية الوطنية الجامعة، والوعي العلمي، والتنظيم، والتخطيط. وكل ذلك غير متوفر في الحركات الداعية إلى الإصلاح والتغيير، خاصة وأن القوى المهيمنة تمتلك السلاح، والمال، ووسائل الإعلام، والموروث الديني والمذهبي لإدامة الوضع كما هو عليه، لأنه وضع مناسب للسرقة، والتزوير، والهيمنة، والولاءات غير الوطنية، وتمزيق الهوية لصالح هويات غير وطنية. هوية العراق ليست في تقسيمه إلى شيعة وسنة وعرب وكرد وتركمان، مسلمين ومسيحيين، هوية العراق هي الطلبة، والعمال، والمزارعون، وأساتذة الجامعات، والكتّاب، والفنانون، والجيش، والشرطة، والأطباء، وكل تلك الشرائح وهمومها، وفي أي مدينة عراقية، تعاني ذات المعضلات الحياتية. وهي تمتلك، تقريباً، ذات الطموحات والأحلام في حياة حرة وكريمة وعصرية. لكن لا بد للمثقف أن يحلم، والشعوب لا تسكت على ظلم حتى وإن بدت كذلك. هي مرحلة فوضوية لا تمتلك مقومات الديمومة في ظل متغيرات عالمية هائلة لا يستطيع أحد تجاهلها.

حوار مع

حوار مع "صديق العراق" حسين جرادي بعد توقيع كتابه: بغداد لم تخذلني.. إنها مكافأتي

على المسرح العراقي أن يتخلص من السوداوية المعقدة.. حديث...

على المسرح العراقي أن يتخلص من السوداوية المعقدة.. حديث جريء من جبار المشهداني

964 تحاور المخرج كاظم نصّار: أسلوب

964 تحاور المخرج كاظم نصّار: أسلوب "شعرة من جلد خنزير" في مجتمع يصفق للفاسدين

فنان الثورة ورفيق تشرين.. حوار مع المسرحي الكربلائي عبا...

فنان الثورة ورفيق تشرين.. حوار مع المسرحي الكربلائي عباس شهاب (فيديو)

أحطم أعمالي أحياناً قبل العرض.. النحات علي رسن في حوار م...

أحطم أعمالي أحياناً قبل العرض.. النحات علي رسن في حوار مع شبكة 964 (صور)