"الشتلة الأولى جاءت من بعلبك"

العراق خارج نادي الزيتون.. المزارع كسول لكن البعشيقي يحفظ هيبة الشجرة المباركة

بغداد – ميسون الشاهين

كان على العراق أن يزرع 30 مليون شجرة زيتون خلال 15 عاماً، منذ أن وقع اتفاقية دولية عام 2007، للانضمام إلى نادي كبار المنتجين في العالم، لكن تحركاً عابراً للبرلمان قاد إلى اكتشاف أن العراق لم يزرع ربع هذا العدد، ومع أن البرلمان تأخر كثيراً في تشريع الاتفاقية، ولم يفعل حتى الآن، لكن الخبراء والمسؤولين الحكوميين يقولون إن المزارع العراقي “كسول ومتذمر” حين يضطر إلى انتظار الثمار 7 سنوات، كما أنه يتردد في التعامل مع الشجرة الإسبانية، التي تنتج الزيتون الأكثر جودة في العالم.

شاهد: قطاف الزيتون العراقي الممتاز بأيدي نساء سهل نينوى.. “نعمل كالأسود”

اتفاقية زيت الزيتون و”حلبجة” على جدول أعمال البرلمان العراقي

في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، وضع البرلمان مسودة قانون اتفاقية الزيتون على جدول الأعمال، لكن النواب ترددوا في مناقشتها خوفاً من “تنمر الجمهور” المشغول بأزمة الدولار، وفقاً لعضو لجنة الزراعة فالح الخزعلي.

وفي 15 تشرين الأول (أكتوبر)، أنجز البرلمان قراءة أولى لمسودة القرار، ويبدو أن القراءة الثانية والتصويت سيتأخر أكثر بسبب المناخ السياسي المتأثر بتداعيات الحرب على قطاع غزة.

ويقول النائب الخزعلي، إن “مسودة القانون تتضمن جنبة قانونية، تحتاج إلى نقاش مع قادة الأحزاب”، فيما تفيد مصادر نيابية أن السبب يعود إلى تضارب في نسخ من المسودة وصلت إلى البرلمان في تاريخين مختلفين، لكن البرلمان حسم هذه الجزئية الفنية وتجاوزها.

اتفاقية زيت الزيتون الدولية وقعت في مدريد عام 2005، وقررت الحكومة العراقية الانضمام إليها عام 2007، بهدف تنسيق الجهود بين الدول والعمل على المحافظة على أشجار الزيتون المعمرة، وزيادة مساحات زراعتها.

 2 مليون شجرة كل عام

قبل انضمامه إلى الاتفاقية الدولية، كانت للعراق خطة طموحة لزراعة مليوني شجرة زيتون، بحسب إعلان نشرته وزارة الزراعة عام 2000.

يقول مسؤول الإعلام في دائرة البستنة، ياسر محمد، لشبكة 964، إن المشروع لم يحقق أهدافه بسبب الحروب والأوضاع الأمنية، رغم بيع مليوني شتلة زيتون بأسعار مدعومة للفلاحين.

ومنذ انضمام العراق لاتفاقية الزيتون في العام 2007، لم تتمكن بغداد من الإيفاء بالتزاماتها بالاتفاق، واقتصر الأمر على جهود فردية من المزارعين لتنمية مزارع الزيتون التي تعرضت للإهمال والتلف لأسباب مختلفة طيلة السنوات الماضية.

وسجلت آخر الإحصاءات الرسمية عام 2020 انخفاض إنتاج العراق من زيت الزيتون عن العام الذي سبقه بـ2 في المئة، إذ بلغ الإنتاج نحو 34 ألف طن فقط.

ولأن الإنتاج لا يغطي الاحتياج المحلي الكبير إن كان للأغراض الغذائية أو الصناعية الأخرى مثل الصابون، يلجأ العراق للاستيراد من دول عدة كتركيا وإيطاليا وغيرها، وفقاً للخبير الزراعي خطاب الضامن.

مزارع من بحزاني يتسلق شجرة زيتون لقطف ثمارها في أحد بساتين بعشيقة (الصحفي خدر خلات)

كيف انتقل الزيتون إلى العراق؟

يقول الصحفي خدر خلات، وهو من سكان بعشيقة المشهورة بزراعة الزيتون، إن التراث الشفوي المتداول بين سكان المدينة يفيد بأن رجل دين لديه مكانة روحية عالية بين الأيزيديين جلب أشجار زيتون من سوريا ولبنان، أهمها شجرة من منطقة “بيت فار” في بعلبك، قبل نحو 650 سنة، وهو تحديداً عمر غالبية أشجار الزيتون اليوم في بعشيقة.

وفي عام 1904، والحديث للصحفي خلات لشبكة 964، ضربت مدينة بعشيقة عاصفة ثلجية مصحوبة بالغبار كانت تعرف بالثلج الأحمر، قضت على الأشجار في الموصل وعموم نينوى، وتمكن المزارعون لاحقاً من أعادة زراعتها ورعاية الأشجار المتضررة.

وحدث الأمر ذاته مع سيطرة تنظيم داعش على بعشيقة، وأحرقوا بساتين كاملة كانت تضم أشجار زيتون كان عمر بعضها يتجاوز 100 عام، ورغم محاولات الأهالي لإحياء بساتينهم لكنهم تمكنوا فقط من حماية شجيرات زيتون وليس أشجاراً كما كانت.

بساتين الزيتون العراقي الفاخر من الجو.. نضج وجاهز للقطاف

أين ينتشر زيتون العراق الآن؟

تشير بيان للجهاز المركزي للإحصاء، نشر عام 2021، إلى أن عدد أشجار الزيتون المثمرة في عموم المحافظات باستثناء إقليم كردستان يبلغ نحو مليون و400 ألف شجرة.

وتتركز زراعة أشجار الزيتون غالباً في سهل نينوى، وأجزاء من الموصل، حيث تنتشر مزارع الزيتون في بعشيقة وبحزاني، التي تسمى مدينة الزيتون.

ويسهم المناخ المعتدل في سهل نينوى في إكثار أشجار الزيتون، إذ يتطلب إنتاج الزيتون درجات حرارة باردة في بداية نموه ثم يحتاج إلى حرارة أكثر مع قرب موسم الجني، وهو ما تحققه المناطق الممتدة من السهل حى إقليم كردستان.

وتمثل مزارع كردستان ثاني أكبر المنتجين المحليين للزيتون بعد سهل نينوى، فيما نجحت تجارب أخرى لزراعة الزيتون في كركوك والأنبار، باستخدام شتلات “البعشيقي” و”الخستاوي” المفضل في صناعة الطرشي، وفقاً لشاكر يحيى مسؤول شعبة الزراعة في بعشيقة.


ويستخدم الزيتون البعشيقي عادة لصناعة الزيت، ويتراوح معدل إنتاج شجرة الزيتون البعشيقي الواحدة بين 25 إلى 30 كغ من الزيت، خلال الموسم الواحد، أما “الخستاوي” فهو صنف محلي آخر يستخدم بكثرة في إنتاج الطرشي، الذي يتسم بمذاقه المر، ويشبه إلى حد كبير الزيتون السوري، إذ يعتقد مزارعون أن أصل شجرة البعشيقي من بلاد الشام.

وتراجع إنتاج الزيتون في سهل نينوى خلال السنوات الماضية، لتظهر الأنبار كأكبر المنتجين للزيتون خلال صيفي عام 2020، وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء، لتليها نينوى ثم بغداد، فيما لم تنتج بقية المحافظات مجتمعة سوى 10 في المئة من الإنتاج الكلي للبلاد.

وبحسب دائرة البستنة التابعة لوزارة الزراعة، فأن مساحة مزارع الزيتون التابعة للدائرة في محافظات مختلفة، عدا كردستان، تبلغ نحو 800 دونم.

أما في كردستان فتنتشر نحو 1500 مزرعة للزيتون، منها 350 في أربيل و300 في السليمانية، وفقاً لنعمت مولود رئيس جمعية مزارعي كردستان، فيما تتوزع بقية المزارع على دهوك وعقرة وشيخان وحلبجة ورانية وكرميان، بمساحات تتراوح بين 20 و100 دونم للمزرعة.

رسم توضيحي لمعمل زيت زيتون جديد في دهوك برخصة استثمار من حكومة كردستان (إعلام وزارة الزراعة)

المزارع العراقي “كسول ولا يصبر”

رغم محاولات الجهات الزراعية المتكررة لاستيراد أنواع جديدة وفاخرة من أشجار الزيتون، سيما “الأربيكانا” المتقزم وهو من أجود الأنواع الإسبانية، إلا أن الفلاح العراقي يتجنب الخوض في تجارب جديدة لإنبات ورعاية أنواع لم يعتد عليها سابقاً، بحسب مسؤول شعبة زراعة بعشيقة لشبكة 964.

ويضيف يحيى، أن المزارع العراقي يخشى التجربة ولا يصبر على الشجرة، لأن فترة إنتاج الزيتون تتطلب فترات طويلة تصل لـ7 سنوات، وهو ما يتطلب جهداً وتكاليف لا يريد المزارع تحملها أو قد لا يستطيع، لذلك يكتفي بالأنواع التقليدية المتوفرة، إلى جانب أن الأشجار الإسبانية وغيرها تحتاج إلى معرفة طرق غير تقليدية لرعاية “الشجرة المباركة”.

صور: الزيتون الأخضر استوى قبل أوانه في حديثة.. أول قطفة وصلت السوق

أصناف الزيتون العراقي

يزرع العراق نحو 10 أصناف من الزيتون، منها 3 محلية، وهي الأشربي والبعشيقي والدهكان، إلى جانب أصناف أخرى مستوردة من بلاد الشام، كالصوراني والقيسي والخضير والنبالي، وأصناف أخرى مستورة من إسبانيا وهي الالآربيكانا والبكوال والمنزنيلو.

وتسعى بعض المنظمات الدولية، كمنظمة الفاو بالتعاون مع وزارة الزراعة دعم زراعة الزيتون، سيما في مناطق سهل نينوى، عبر مشاريع دعم سبل العيش الزراعية للعائدين والمجتمعات الزراعية في نينوى.

وتقدم هذه المنظمات المعدات اللازمة للمزارعين، أبرزها ماكنة “الجانية” التي تحمل على الكتف وتعمل بالبنزين، وتستخدم في جني الزيتون، بالإضافة إلى دعمهم بمعاصر للزيتون، وتزويدهم بالمزيد من شتلات الآربيكانا الإسبانية، لإكثار هذا الصنف الفاخر، يقول مدير دائرة البستنة في وزراة الزراعة هادي الياسري، لشبكة 964.

7 مصانع و340 ألف مزارع.. كردستان تنتج 110 أطنان من زيت الزيتون كلّ عام

Exit mobile version