تحقيق بريطاني موسع ينتهي بالحيرة
من هو قنبر آغا الذي ظهر في فيلم سرقة القرن؟ رجل إنقاذ أم متورط يعرف كل شيء
بغداد – 964:
رغم أن التحقيق المطول لمجلة “الإيكونومست” عن سرقة القرن انتهى إلى حَيرَة حول ما إذا كان المتحدثون فيه من “النزيهين أم المتواطئين”، لكن الكاتب أفرز مساحة بارزة لحسين قنبر آغا، الشخصية المصرفية المثيرة للجدل، ليقدم نفسه كرجل “إنقاذ” استدعته بغداد على عجل لاكتشاف لغز أموال الضرائب المنهوبة، رغم أن الاسم نفسه ورد في إشارات صحفية سابقة كواحد من المشتبه بهم.
وأجرى الصحفي البريطاني، نيكولاس بليهام تحقيقاً مطولاً لصالح المجلة، شمل مقابلات مع عدة أشخاص، بينهم رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، وحسين قنبر الذي قالت إنه “سويدي من أصول عراقية (…) شغوف بالخدمات المصرفية الرقمية”.
الكاظمي يظهر من لندن في فيلم جديد عن "سرقة القرن" (فيديو)
وظهر اسم قنبر للمرة الأولى آواخر عام 2022، كواحد من الذين تربطهم صلة ما، غير واضحة، بسرقة 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب، مرة بوصفه شريكاً فيها، ومرة كأحد الذين ساهموا في الكشف عنها.
وزعم قنبر، في الحوار الافتتاحي لتحقيق “الإيكونومست”، الذي ترجمته شبكة 964، إنه “تلقى اتصالاً من وزير المالية السابق بالوكالة، في آب 2022، للمساعدة على اكتشاف سرقة ضخمة من ودائع مصرف الرافدين”.
وقالت المجلة، إن قنبر “مستشار يبلغ من العمر 49 عامًا ولديه شغف بالخدمات المصرفية الرقمية، ولد في العراق لكنه قضى معظم فترة بلوغه في ستوكهولم”، مشيرة إلى أنه “هاجر بعد انتفاضة 1991 في جنوب العراق”.
في الصيف الماضي، طلب وزير المالية (إحسان عبد الجبار) من قنبر العودة إلى بغداد والتحقيق في شائعات عن سرقة في مصرف الرافدين، أكبر بنك مملوك للدولة في البلاد
* الإيكونومست
علاوي يعترف: موظفو الضرائب جعلوني عاجزاً عن كشف "سرقة القرن"
وفي كانون الأول 2022، نشر الصحفي زياد العجيلي، نتائج “تدقيق دام شهرين، وورد فيه أن اسم قنبر نفسه الذي حاورته “الإيكونومست”، يأتي على لسان جميع المصادر على أنه “أخطر رجل في شبكة سرقة القرن”.
حسين قنبر آغا مدير في مصرف الناسك (…) قدّم نفسه كمستشار لوزير المالية علي علاوي، وتدريجياً أصبح ضيفاً شبه يومي في مصرف الرافدين، يعقد الاجتماعات ويصدر التوبيخات، وقد اشتُهِرَت (عركة) تسبب بها مع الكادر القديم لمصرف الرافدين، حين رفضوا تمرير بعض مقترحاته، وطالبوه بوثيقة رسمية تثبت تخويله.
* زياد العجيلي
منشور في “فيسبوك”
وبحسب مجلة “الإيكونومست”، فإن قنبر عاد إلى العراق، عام 2021، للعمل في “مشروع إصلاح مصرفي لصالح وكالة التنمية الدولية الأمريكية”، وأثناء وجوده هناك “سمع شائعات بأن حساب مصلحة الضرائب في الرافدين قد تعرض للنهب”.
وحين استفسرت لجنة برلمانية لتقصي الحقائق من وزير المالية السابق علاوي عن صفة قنبر، فيما إذا كان بالفعل مستشاراً لديه، أجاب علاوي أنه “يعمل بعقد مع وكالة التنمية الأميركية (USAID)، وأنه تم التعاقد معه بهذه الطريقة لأن راتبه كبير ولا تستطيع الوزارة دفعه”، وكان رأي اللجنة رداً على ذلك، “لا يوجد سند قانوني لمثل هكذا تعاقد”، وفقاً للتدقيق الذي أجراه العجيلي.
قنبر شعر بواجب أن يتم التحقيق بشكل صحيح (…) أيضًا، كان فضوليًا، “ألا تريد أن تعرف، إذا كانت هناك سرقة كبيرة مثل هذه؟” اقترح قنبر أن يقوم وزير المالية بتجميع فريق من المحامين والمحاسبين الموثوق بهم، والتوجه إلى بغداد للانضمام إليهم.
* الإيكونومست
لكن التدقيق الذي أجراه العجيلي، كان يشير إلى “مجزرة ارتكبها قنبر” خلال الفترة التي تقول “الإيكونومست” أنها شهدت تدخل الرجل القادم من السويد للتحقيق في سرقة أموال الضرائب.
طلب مدير الرقابة السابق في مصرف الرافدين من قنبر إثبات أنه مستشار رسمي لوزير المالية. بعد أيام، تم نقل المدير خارج المصرف، ثم نقل المدير العام السابق ومعاونه، وجاء قنبر بعد ذلك بمدير عام جديد للمصرف هو أحد مساهمي الناسك، عبد الحسن جمال عبدالله.
* زياد العجيلي
منشور في “فيسبوك”
وسرد قنبر، للصحفي البريطاني نيكولاس بلينهام، تفاصيل “مهمة الإنقاذ” التي تولاها بطلب من وزير المالية آنذاك، ورغم أن تحقيق المجلة لم يذكر اسمه، لكن الفترة الزمنية لنطاق التحقيق تشير إلى وزير النفط إحسان عبد الجبار، الذي كلف بمهام المالية وكالة في آب 2022، قبل أن يستقيل في تشرين الأول من العام نفسه.
ويبدو أن قنبر طلب من الحكومة فريقاً من المحامين والمستشارين للتحقيق في شبهة السرقة، “قبل أن يكتشفوا بسرعة خمس شركات – لم يسمع أحد بها – متورطة بعملية نهب على نطاق واسع”، ومن خلال معارف ووسطاء حصل قنبر على الجائزة الكبرى.
في وزارة المالية، كانت الحقيبة البنية في انتظار قنبر (…) فتحها في المنزل ليكتشف نسخاً من 247 صكاً تم تجييرها من حساب الرافدين المرقم 60032 لصالح خمس شركات، تتبع 3 رجال أعمال بينهم نور زهير (…) أمضى قنبر ساعات لفرزها حسب التسلسل الزمني من أيلول 2021 وآب 2022.
* الإيكونومست
وبحسب تحقيق المجلة البريطانية، واستناداً لرواية قنبر، فإن ”الصكوك لم تكن دليلاً على الاحتيال، لكنها أظهرت بشكل قاطع مكان الأموال المفقودة (…) إذ نقلت بشاحنات في وضح النهار، فيما تمت الموافقة على عمليات السحب من قبل مسؤولين كبار“.
رفضت العصابة نقل أموال الضرائب عبر سيارات شركة الخدمات المصرفية، رغم أنها مصفحة ومؤمنة، لكنها أيضاً مزوّدة بأجهزة تعقب جي بي أس ويُمكن أن تقدم خرائط بنقاط انطلاق ووصول الأموال. السيارات المدنية التي تحمل أموال سرقة القرن، انتشرت في عدة اتجاهات داخل بغداد، لتنهي أي محاولة للتعقب أو التعرف على نقاط التسليم وخزن الأموال.
* زياد العجيلي
منشور فيسبوك
ويبدو أن تسرب الأموال إلى أماكن مجهولة داخل العراق، هو المعلومة الوحيدة التي يمكن مقاطعتها في قصة “سرقة القرن”، لكن تحقيق “الإيكونومست”، وما سبقه من محاولات تقصي، بما في ذلك المرافعة التي كتبها وزير المالية الأسبق علي علاوي، في 25 آيار الماضي، تدور في ملاحقة الشهادات الشخصية التي أسهمت – على الأرجح – في إضافة ألغاز جديدة إلى سرقة القرن.
اعتراف وكشف ونبوءة في 198 صفحة.. الملف الكامل لتحقيقات علي علاوي في سرقة القرن
ورغم أن الصحفي البريطاني لم يجد ما يدعوه للتشكيك في رواية قنبر، لكن المقابلة لم تبدد “الإحساس بأن هناك الكثير عن الرجل لم تجر حكايته بعد”، لاسيما وأنه أنهى المقابلة بعبارة ملفتة، “أنا مثل ورق التواليت.. سوف يلقون بي هكذا”، كان يفرك راحتيه وكأنه يرمي شيئاً.
وقدم التحقيق انطباعاً افتراضياً عن مصير أموال سرقة القرن، حين ربط نيكولاس بليهام مشاهدات مبهرة عن “بغداد التي تعج بأعمال البناء والمطاعم ومرافق الترفيه، بالمكان الذي ذهبت إلى أموال الضرائب المنهوبة”.