تعريف الإرهابي بيد السوداني
مصير السجناء “على كلمة” ولا وقت لفحص “أبرياء الحاسبة”.. صورة أوضح عن العفو العام
بغداد – 964
في ذروة الانشغال بانتخابات مجالس المحافظات، وضع تحالف أحزاب الحكومة “إدارة الدولة” تعديل قانون العفو “المزمن” على الطاولة، وأطلق نقاشاً سياسياً حول تعريف نادر وغير مسبوق لـ”الإرهابي العراقي”.
وبدأ التسخين السياسي على مسودة التعديل، للمرة الرابعة منذ 2008، بمناوشات بين الطرفين السني والشيعي لإثبات “من تنصل عن الاتفاق السياسي لتشكيل الحكومة”، حتى مع إشهار رئيسها محمد شياع السوداني دليلاً، بأن الجميع في التحالف الحكومي صوت على ركيزة أساسية للقانون، بفقرة تشريعية في المنهاج الحكومي.
هذه المعركة فتحت المفاوضات، أيضاً، على نزاع حول العبارات التي ستشكل التعديل؛ كل فريق ينظر إلى الكلمة على أنها “عيار” ووزن وقياس، للمشمولين بالعفو، أو المحرومين منه، فيما يغيب نقاش أساسي عن تحسين نظام العدالة.
وتحت الجو المشحون، تتدافع أصوات يمثلها أكاديميون ونشطاء لمراجعة أحكام “السجناء بأثر رجعي”، وتأمين محاكمات عادلة لهم، لا سيما أولئك الذين ذهبوا ضحية بلاغات كيدية، أو اعترافات انتزعت بالإكراه.
ماذا حدث؟
أعلن مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، أنه سيعد مسودةً لمشروع قانون العفو العام، “عملاً بالمنهاج الحكومي الذي أقره البرلمان في 27 تشرين الأول الماضي، واستناداً إلى وثيقة الاتفاق السياسي الذي شكل الحكومة الحالية”.
وحاولت الحكومة إحراج كتل سياسية، بتذكيرها بالنص الذي صوتت عليه داخل تحالف “إدارة الدولة”، ولاحقاً في البرلمان، حين وضعت تعريفاً محدداً لـ “الإرهابي” بأنه “كل من ثبت بأنه عمل في التنظيمات الإرهابية، أو قام بتجنيد العناصر، أو قام بأعمال إجرامية، أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهابي، أو وجِد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية”، وفقاً للفقرة 4 من المنهاج الحكومي.
مجلس الوزراء يوجه بإعداد مسودة لمشروع تعديل قانون العفو العام
وقبل ذلك، كانت كتل سياسية، على رأسها حزب “تقدم”، تقول إن الإطار التنسيقي “تنصل عن بنود في الاتفاق السياسي الذي قاد إلى تشكيل الحكومة، وماطل في تشريع قوانين أبرزها العفو العام.
واستضاف رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الأحد، الرئاسات الأربع، وقال بيان عقب الاجتماع، إنها اتفقت على “ضرورة تشريع القوانين التي تضمنها البرنامج الحكومي وورقة الاتفاق السياسي ووافقت عليها القوى السياسية، ومنها قانون العفو العام”.
بيان رسمي عن ما دار في اجتماع الرئاسات الأربع
وقال قيادي بارز في حزب تقدم، لشبكة 964، إن “رئيس الحكومة وافق على تضمين جدول أعمال اجتماع الرئاسات بنداً خاصاً بقانون العفو العام على مضض، بعدما لم يجد اعتراضاً قضائياً محدداً”.
وتحدث القيادي السني عن “ممانعة كبيرة من قوى إطارية، يمثلها السوداني، لتشريع هذا القانون الذي يريده السُنة ويدعمه الصدريون”.
وتوقع القيادي، أن “تواصل تلك القوى، ورئيس الوزراء، المناورة بورقة القانون، الذي سيفرغ من مضمونه في حال الاضطرار إلى تشريعه”، على حد تعبيره.
لكن عضو ائتلاف “دولة القانون”، باقر الساعدي، يقول لشبكة 964، إن الإطار التنسيقي لن يمانع التصويت على قانون العفو، لكن ليس قبل فرز وتدقيق ملفات المحكومين؛ “من ارتكب جريمة قتل يستثنى من العفو، ومن ارتكبها عن غير عمد يترك مصيره لعائلة الضحية، إن أرادت التنازل”.
ويقول القيادي السني البارز، إن النقاشات التي بدأت الآن بشأن القانون ستتعثر بالصياغة، “كل شيء سيعتمد على استخدام الكلمات (…) كلمة واحدة قد تعني شمول المزيد بالعفو العام، والعكس صحيح”.
ومع ذلك، فإن أحداً لم يفسر كيف صوتت كتل سياسية على “تعريف الإرهابي” في المنهاج الحكومي، وعادت اليوم بتعديلات عليه، بينما يمسك السوداني بهذا السلاح، المُسند بتوافق “إدارة الدولة” وتصويت البرلمان.
لا يشمل القتلة والفاسدين.. القانونية: المطالبات بقانون عفو جديد "منطقية"
من هو الإرهابي العراقي؟
من الواضح أن الحكومة، التي تحاجج بنص يعرّف الإرهابي، تتقدم خطوة على الكتل السياسية، التي تحاول – بحسب نواب – تغيير التعريف لتوسيع الفئة المشمولة بالعفو.
وبعد نحو عقدين من الجدال الفكري والسياسي بشأن تعريف الأفعال الإرهابية، كان من الصعب العثور على صياغة محلية واضحة لها، وقد تكون الفقرة التي ضمنتها الحكومة الحالية في منهاجها نادرة وغير مسبوقة.
لا تزال التعاريف الوطنية للإرهاب متروكة إلى حد كبير لتقدير الدول، ما يولّد تفسيرات متباينة في التشريعات المحلية (…) التعريفات المبهمة للإرهاب في بعض الدول أدت إلى سياسات وممارسات تنتهك حريات الأفراد والسكان الأساسية.
* المفوضية السامية لحقوق الإنسان
لكن النزاع على صياغة العبارات، الذي حولته النقاشات السياسية إلى ميزان لقياس عدد السجناء المشمولين، لا يستهدف كثيراً مراجعة نظام العدالة، وفيما إذا كان هناك أبرياء زجوا خلف القضبان بتهم كيدية، أو اعتراف سُلب بالإكراه.
وبينما يلتزم الإطار التنسيقي بنص واضح ومحدد للإرهابي، لضمان وجبة مقطوعة العدد للذين سيفرج عنهم وفق القانون، تحاول أحزاب سنية إضافة عبارات مفتوحة بحذر لشمول المزيد.
وتقترح تعديلات متداولة – على سبيل المثال – شمول أولئك الذين “ارتكبوا أعمال عنف لكنها لم تسفر عن قتل أو عاهة مستديمة”، وفق ما نقلته قناة العربية عن الخبير جمال الأسدي.
ومنذ أول قانون شُرع للعفو العام، قبل 15 عاماً، تغيرت تعريفات “الإرهابي” و”الأفعال الإرهابية” تأثراً بظروف سياسية وأمنية:
قانون 2008: جرائم الإرهاب إذا نشأ عنها قتل أو عاهة مستديمة.
قانون 2016: الجريمة الإرهابية التي نشأ عنها قتل أو عاهة مستديمة، وتخريب مؤسسات الدولة ومحاربة القوات المسلحة، وكل جريمة ساهم بارتكابها بالمساعدة أو التحريض أو الاتفاق.
تعديل 2017: شمول الأشخاص المعتقلين من الذين تُجرى تسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي، بالعفو، بالإضافة إلى شموله مَن يتم تسديد ما في ذمتهم من أموال للمصلحة العامة عن جرائم الفساد.
المقترح الحكومي 2023: “كل من ثبت بأنه عمل في التنظيمات الإرهابية، أو قام بتجنيد العناصر، أو قام بأعمال إجرامية، أو ساعد بأي شكل من الأشكال على تنفيذ عمل إرهابي، أو وجد اسمه في سجلات التنظيمات الإرهابية”.
ورغم أن حزب “تقدم” صوت على المنهاج الحكومي، في تشرين الأول الماضي، يقول القيادي السني البارز، إن تعريف الإرهاب “يخضع دوماً لنقاشات مستمرة لضمان عدم تفريغ قانون العفو من مضمونه، وعدم تنصل الشركاء من التزاماتهم”.
وإلى جانب التعريف والخلاف عليه، فإن بعض التعديلات تطالب بإلغاء الاستثناء القديم للمحكومين قبل حزيران 2016، وشمول المحكومين بعد هذا التاريخ، لكن للذين ارتكبوا جرائم لم تسفر عن قتل أو عاهة مستديمة، وهو تعديل يقول مشاور قانوني على صلة بالإطار التنسيقي، إن “اعتماده مستحيل، ولن يحدث أبداً”.
ويقول النائب عن تحالف “تقدم”، عبد الكريم عبطان، لشبكة 964، إن قانون العفو العام يجب أن يشرع استناداً إلى مبدأ الفصل بين “المنتمي” للتنظيمات الإرهابية، و”المشارك” الذي ارتكب بالفعل جرائم إرهابية؛ هذا الأخير “لا يريد أحد الإفراج عنه”.
العفو “السياسي” العام
غالباً ما يخرج قانون العفو العام من مكاتب الأحزاب، بعد مناورات سياسية تنتهي بصفقة أو سلة صفقات، لا يتدخل فيها كثيراً رجال القانون، المعنيون بهذا الملف.
ويعتقد الباحث والأكاديمي، عقيل عباس، خلال حديثه لشبكة 964، أن الأحزاب الشيعية “تؤمن بالفعل بأن الذين اعتُقلوا بقضايا إرهاب هم إرهابيون فعلاً، بينما القوى السنية تدفع أكثر نحو تعديل نظام التحقيقات لفرز الأبرياء من بينهم”.
وبحسب عباس، فإن سلطات إنفاذ القانون “تقبل أي بلاغ من أي شخص، وفقاً للمادة 4 إرهاب، لاعتقال أفراد دون معرفة المخبر، أو تقديم أدلة للمحامي، إن وجد”.
ويقول الباحث، إن هذه الثغرة القانونية تفسر السلوك السياسي للقوى الشيعية، التي تستخدم هذه القوانين لتمرير صفقات استراتيجية، مثل تشكيل الحكومة، دون النظر إلى الملف بوصفه خرقاً جسيماً لنظام العدالة.
نائب عن حزب الحلبوسي يدعو إلى تفعيل العفو العام.. "السجون مكتظة بالنزلاء"
الحاسبة: بيانات للأبرياء أيضاً
يحاول سياسيون سنة، وآخرون من التيار المدني العراقي، لفت الانتباه إلى آلية الاعتقال التعسفية والمحاكمات المترتبة عليها، خلال السنوات الماضية، بهدف مراجعتها قبل تشريع قانون العفو العام.
ويقول السياسي السني، فهد مولود مخلص، خلال حديثه لبرنامج “القرار لكم”، مع الإعلامية سحر عباس جميل، إن الآلاف من أبناء المناطق المحررة أدرجوا بناء على بلاغات كيدية في “حاسبة الأمن الوطني”، ولم تخضع لتدقيق مهني من قبل المحققين.
وخلال السنوات الماضية، تداول محامون وناشطون قصصاً عن أبرياء، بينهم مراهقون، تم اعتقالهم بناء على بلاغات من مجهولين ثبت بالدليل أنها كيدية ومزورة.
ويقول النائب عبد الكريم عبطان، إن “جزءاً من حل الأزمة يكمن في إعادة التحقيق داخل محاكم الاستئناف، وليس في المقرات الأمنية، دون تعذيب أو إكراه”، خصوصاً أولئك الذين “عاشوا مجبرين في مناطق كانت تحت سيطرة داعش، واضطروا على التعامل معهم حفاظاً على حياتهم”.
ويقترح عبطان، أنه “في بعض الحالات، يمكن الذهاب إلى الغرامة المالية بدلاً من سلب الحرية، سيما أن العراق في دور مصالحة وطنية وينبغي أن يتخذ قرارات وخطوات تعزز ذلك”.
ويقترح الباحث عقيل عباس إعادة التحقيق مع الذين صدرت بحقهم أحكام إعدام ولم تنفذ بسبب ووجود شك حول الاعتقال والتحقيق معهم منذ البداية، لكن مسؤولاً في جهاز الأمن الوطني يقول، لشبكة 964، إن تدقيق ملايين الأسماء في الحاسبة يتطلب سنوات وطاقم محققين متفرغين للعمل.
ويشرح المسؤول الأمني الآلية المتبعة الآن في إدخال الأسماء في حاسبة الأمن الوطني، بأن استخبارات جهات أمنية مختلفة تجتمع بين فترة وأخرى، لإدخال بيانات ما بحوزتها من أسماء مطلوبين.
وأكد المسؤول، أن الأجهزة الأمنية “طورت وسائل الإبلاغ والإخبار تفادياً للحالات الكيدية”، وقال إنها “لم تعد تكتفي ببلاغات الأشخاص والمخبرين (…) الاستخبارات تحيل البلاغ لعنصر أمن موثوق في المنطقة يسمى (الكود)، يتولى تدقيق البلاغ ولن نعتمد غيره”.
لكن المسؤول الأمني استبعد فتح ملفات المحكومين الذين تم اعتقالهم، خلال السنوات السابقة بناءً على بيانات الحاسبة، لتدقيقها وإعادة محاكمتهم.
بعبارة أخرى، وفقاً للمشاور القانوني، فإن قانون العفو الذي تعمل عليه الحكومة، لن يفتح ملفات هؤلاء بأثر رجعي، وأن الصياغة التي يمكن أن تمر ستشمل أحكام فترة زمنية محددة، على أن يفرج عن المشمول فقط بعد تدقيق ملفه من قبل السلطات العدلية.