إشعاع النفط يضر العمال فقط!

احذروا “كبسولات صدام”.. 18 شهراً تفصل العراق عن إنهاء حقبة التلوث النووي

بغداد – ميسون الشاهين

قال مسؤولون حكوميون، إن عاماً ونصف العام فقط، يفصل العراق عن إعلانه “منطقة خالية” من التلوث الإشعاعي، ورغم أن فرقاً مختصة تواصل إزالة المخلفات الحربية، ولم يتبق أمامها سوى 5 مدن، لكن خبراء طاقة وبيئة ما زالوا يعتقدون بأن السلطات لن تتمكن من معالجة المخلفات المشعة التي تنتج عن استخراج النفط، على المدى القريب، كما أنها بحاجة إلى استرجاع “كبسولات” مشعة تسربت إلى مواقع مجهولة، بعد عام 2003.

وأفاد هؤلاء، في تصريحات لشبكة 964، أن العراق بات جزءاً من منظومة الطوارئ الإشعاعية، بعد ارتباطه بشبكة الرصد الدولية، واكتسابه خبرة في مجال المسح وعمليات الإزالة الآمنة.

ماذا حدث؟ العراق متقدم في رصد التلوث عربياً

انضم العراق مؤخراً إلى نظام إدارة المعلومات الدولية الإشعاعية “IRMIS”، وهو واحد من الأنظمة الخاصة بالرصد البيئي والطوارئ الإشعاعية.

ويقول مدير مركز الوقاية من الإشعاع، صباح الحسيني، لشبكة 964، إن “النظام يسمح للعراق بمراقبة السحب الإشعاعية، في حال حصول حادث نووي”.

ويمتلك العراق 21 محطة رصد موزعة في جميع المدن، إلى جانب محطة مركزية يجري تحديثها من قبل شركات عالمية، تساعده على إكمال عمليات الإزالة.

ومع ارتباطه بنظام الوكالة الدولية للطاقة، بات العراق قادراً على مراقبة محطات 48 دولة، ليكون ثالث دولة عربية تنضم بعد السعودية والأردن، وفقاً للحسيني.

ويقول المسؤولون، إن الموازنة التي أقرها العراق هذا العام ستسمح له، أيضاً، بإنهاء ملف التلوث الإشعاعي، إذ يستعد لتمويل 3 خطط لإزالة اليورانيوم المنضب، والتلوث الناجم عن العناصر الطبيعية، والتلوث المرافق لاستخراج النفط والفوسفات، إلى جانب معالجة المواد والتخلص منها.

جانب من موقع التويثة النووي، جنوبي بغداد، الذي أعلنت بغداد دفنه عام 2021 (AFP)

جانب من موقع التويثة النووي، جنوبي بغداد، الذي أعلنت بغداد دفنه عام 2021 (AFP)

بقيت 5 محافظات

يوضح الحسيني أن التلوث الإشعاعي انتشر في العراق نتيجة استخدام اليورانيوم المنضب، في الحروب التي خاضها والقصف الذي تعرض له، لكن عمليات المسح التي أجريت منذ 2003 ساعدت السلطات على إزالة كميات كبيرة من المخلفات.

وحتى عام 2021، أُعلِنت البصرة وميسان والمثنى، مدناً خالية من التلوث.

وتركز المؤسسات المعنية بالتلوث الإشعاعي، حالياً، على مخلفات الإشعاع في ذي قار والأنبار، ومن ثم تنتقل إلى بغداد وصلاح الدين، فيما ستكون نينوى المحطة الأهم والأعقد، نظراً لوجود أكبر موقعين ملوثين، وهما “عداي” و”الجزيرة”.

داعش عبث بالنفايات المشعة

ويشير الحسيني، إلى أن الموقعين خطيران للغاية، لأنهما كانا مخصصين لدفن النفايات المشعة، قبل أن يقوم تنظيم “داعش”، خلال سيطرته على المدينة، بالعبث بهما وبعثرة محتوياتهما.

محافظ نينوى يعلن خلو الموصل من التلوث الاشعاعي وينفي و...

محافظ نينوى يعلن خلو الموصل من التلوث الاشعاعي وينفي وجود اي اصابات

ويقول الحسيني، إن إنشاء مطمر صحي خاص بالمخلفات يتطلب تمويلاً ضخماً وشروطاً ومواصفات فنية خاصة، بينما مواقع الخزن الحالية، التي توضع فيها مخلفات الحروب، هي منشآت نظامية تحت رقابة مشددة، وكافية لحفظ هذه المواد لسنوات طويلة.

لكن الحسيني، يشير إلى أن استمرار جهود الفرق الوطنية المختصة، وفق الجدول المخصص للمدن، سيمكن الحكومة من إعلان العراق خالياً من الإشعاع، خلال عام ونصف العام.

وفي آيار 2021، أكد حامد الباهلي، مستشار الطاقة النووية، لرئيس الوزراء السابق، أن العراق سيكون “خالياً تماماً” من التلوث الإشعاعي خلال عام واحد، وفقاً لما نقلته قناة “الشرق”.

ويشير الحسيني، إلى أن الهيئة العربية للطاقة الذرية اعتبرت تجربة العراق في هذا المجال نموذجاً للتعامل مع النفايات المشعة، وأنه بات مرجعاً عربياً في هذا الملف.

26 ألف مريض سرطان راجعوا مركز العلاج الإشعاعي في البصرة ...

26 ألف مريض سرطان راجعوا مركز العلاج الإشعاعي في البصرة خلال 2022

ماذا عن حقول النفط؟

يقول مدير بيئة البصرة، كريم عبد، لشبكة 964، إن النفط المستخرج يحتوي على أطيان مشعة، أخطرها اليورانيوم الطبيعي، وعند الاستخراج يجب التخلص من هذه المواد، لأن تراكمها يزيد تركيزها ويفاقم أضرارها.

ولا يمتلك العراق، حتى الآن، موقعاً واحداً على الأقل لحفظ مخلفات النفط الإشعاعية، إذ يجري جمعها داخل الحقول النفطية التي تمتلك خزيناً هائلاً من الأطيان الملوثة، التي تنتظر معالجتها نهائياً.

وأكد كريم، أن المدنيين، لا سيما في جنوب العراق، في منأى عن خطر المواد المشعة النفطية، لكن العاملين في الحقول الاستخراجية يتعرضون إلى جرعات مضاعفة، تفوق المسموح.

أين ذهبت كبسولات صدام؟

إلى جانب المواد المشعة، الناجمة سواء عن مخلفات الحروب أو استخراج النفط، فإن هناك نوع آخر من المواد الإشعاعية تسمى بـ”المصادر”، كان النظام السابق، يعتمد عليها في المجالات الصناعية والعسكرية، كان من المفترض أن تكون محمية في مواقع خاصة.

يقول رئيس الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة، المهندس فاضل حاوي، لشبكة 964، إن “استخدام المصادر المشعة في العراق يعود إلى ما قبل العام 1991، إذ كان النظام السابق يستخدمها في موانع الصواعق، لتأمين المخازن العسكرية”.

ويشرح حاوي طبيعة تلك المصادر، بأنها عبارة عن “كبسولات” محكمة الغلق، وعند نزعها من التربة لا تترك أي أثر، لكن بمجرد أن تصبح خارج نطاق الاستخدام، تزداد مخاطر عدم حمايتها أو التخلي عنها.

الأمن النووي: اعثروا عليها بسرعة

بعد عام 2003، سُرق عدد كبير من تلك “المصادر”، وتسربت إلى مدن عراقية عدة، فيما يؤكد حاوي، إن السلطات تتحرى عنها لمحاولة استرجاعها، لاسيما أن العراق ملزم باتفاقات دولية تتعلق بالأمن النووي، بضبط تلك المصادر واستعادتها.

ويؤكد رئيس الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة، أن التحري عن الكبسولات المسربة، يجري عبر كواشف دقيقة قادرة على التشخيص من مسافة 100 متر وعمق مترين، وضمن دائرة يصل قطرها إلى 200 متر.