وجهت وزيرة الهجرة والمهجَّرين، إيفان فائق، يوم الأربعاء الماضي، بتعليق عمليّات إعادة النّازحين من مخيّم الهول السّوري إلى مخيّم الجدعة في محافظة نينوى لحين تهيئة الظّروف المناسبة.
على نحو معاكس، نشر مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، تغريدة قال فيها إنّ “العراق نجح في إعادة عدّة وجبات من اللّاجئين” وإنه “مستمر بإعادة العراقيّين من مخيّم الهول السّوري وإعادة تأهيلهم تمهيداً لإدماجهم بالمجتمع”
التصريحات متضاربة بشأن جهود إعادة العراقيين من المخيم، لكن اللافت هو ما كشفه الأعرجي، في الثالث من أكتوبر الماضي عن وجود “اتفاق دولي لتفكيك المخيم” وبين، أن “إعادتهم تأتي ضمن الخطة الحالية والتي تستغرق 5 سنوات، إلا أننا نريد تسريع الملف من أجل إنهاء المعاناة”.
رسم بياني يوضح عدد سكان المخيم الذي بلغ 62،287 بداية عام 2021
على مدى السنوات الأخيرة تحول مخيم الهول الى مصدر قلق كبير عراقي وإقليمي ودولي بسبب مخاوف من تحوله الى حاضنة جديدة لجيل مقبل من الإرهابيين.
بدأت قصة المخيم الذي يبعد نحو 13 كيلومتراً عن حدود العراق الغربية من جهة محافظة نينوى في 1991، عندما أنشأته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين كي يكون ملاذاً ل15 الف لاجئ عراقي إبان حرب الكويت، هاجر الكثيرون منهم فيما بعد إلى مختلف أرجاء العالم بمساعدة الأمم المتحدة ليغلق المخيم بعدها.
أُعيد فتحه لاستيعاب عراقيين هاربين وفلسطينيين مهجرين من العراق بعد إطاحة القوات الامريكية بنظام صدام في 2003.
بعد إندلاع الحرب الأهلية في سوريا، انسحب الجيش السوري من بلدة الهول ومناطق شمال شرق سوريا في منتصف 2012 تاركاً خلفه فراغا أمنيا ملأه مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عبر سيطرتهم على البلدة ومعها المخيم.
بسبب موقع البلدة الاستراتيجي القريب من المعابر الحدودية السورية مع العراق، أصبحت معقلا مهما لعناصر التنظيم.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، استعادت قوات سوريا الديمقراطية والعشائر المتحالفة معها المخيم من التنظيم وطردت مسلحيه من البلدة.
احتجزت هذه القوات المدعومة أمريكيا عوائل مقاتلي داعش ونقلتهم الى قسم خاص ومنفصل في المخيم، خصوصاً القادمين من الغرب من أُصول مسلمة ويحملون أيديولوجيا متطرفة فأثيرت مخاوف من تحول المخيم الى حاضنة للتطرف.
تصاعدت حركة النزوح إليه مجدداً خاصةً من الموصل بعد 2017، ليرتفع عدد النزلاء في المخيم بشكل كبير خصوصاً من النازحين واللاجئين الذين تضررت مناطقهم من الحرب الدائرة في البلدين.
تضمنت خطة الحكومة العراقية في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي لإعادة اللاجئين الى العراق تقسيمهم على شكل دفعات.
شملت كل دفعة 150 عائلة تنقل إلى جنوب الموصل في مخيم الجدعة الذي أنشأته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين سنة 2016 ، حيث يمر العائدون ببرامج تأهيل تستمر عدة اشهر، تمهيداً لدمجهم في مجتمعاتهم.
أُعيدت أول دفعة الى العراق في سبتمبر 2018, و آخر دفعة كانت في أكتوبر 2022.
المشاكل المتعلقة بالمخيم قانونية وامنية.
يُواجه الكثير من سكان المخيم من أعضاء “داعش” و أفراد أسرهم من ذوي الجنسيات الغربية برفض دولهم استعادتهم في سياق مخاوف غربية متصاعدة من مشاكل سياسية داخلية حول كيفية محاكمتهم ودمجهم في المجتمع فضلا عن القلق الأمني من احتمالات أن ينفذ بعضهم هجمات إرهابية في الغرب.
ترغب هذه الدول من العراق التعامل مع هؤلاء الأفراء ومحاكمتهم، وسُرِبت معلومات أن حكومة عبدالمهدي كانت تتفاوض مع الدول الغربية لدفع مليون دولار عن كل فرد من مواطنيها يحاكم داخل العراق.
ازدادت الامور سوءا في اثناء جائحة كورونا إذ أغلقت مراكز التعلم الخمسة والعشرين في المخيم ما فسح المجال لبروز الكثير من التطرف إذ ازدادت جهود النساء المواليات لتنظيم “داعش” في تلقين الأطفال عقيدة التنظيم.
المخاوف من نمو جيل إرهابي كانت واضحة في ردّ الفعل العنيف الذي واجهه فريق من صحافيي “أسوشيتد بريس” حين زار المخيم في أيار/مايو 2020.
فحين دخل المراسلون إلى سوق في المنطقة الملحقة، بدأ نحو 10 فتيان برمي الحجارة على الفريق. وصرخ صبي في العاشرة من العمر تقريبًا قائلًا: “سوف نقتلكم لأنكم كافرون. أنتم أعداء الله. نحن “الدولة الإسلامية”. أنتم شياطين وسوف أقتلكم بسكين. سوف أفجركم بقنبلة”.
كما عرض وثائقي لقناة الحدث 2021 تفاصيل عن طفل في السادسة عشر من العمر ذبح صديقه داخل مخيم الهول بإيعاز من امه بحجة انه يتعامل مع الاسايش (قوات الامن الكردية).
التأخر في تفكيك مخيم الهول مشكلة كبيرة لخصها بشكل واضح الجنرال كينيث ماكنزي، رئيس “القيادة المركزية الأمريكية” ابريل 2021 أنه “ما لم نجد طريقة لإعادتهم إلى بلادهم وإدماجهم في المجتمع واجتثاث التطرف من عقولهم، فنحن نقدّم نفسنا على طبق من فضة لمقاتلين على مدى السنوات الخمس إلى السبع القادمة”.
