اشتر عيار 21 واحصل على 19

حقائق مفزعة عن ذهب العراق: المغشوش سائد ومربح وإن ساءت السمعة

بغداد – شبكة 964

يتراجع مستوى تداول الذهب العراقي في الأسواق لصالح المصوّغات الأجنبية والخليجية، وفي ظل مزاعم متضاربة عن عمليات غش في ورش منزلية، تفشل الأجهزة الحكومية المعنية في محاصرتها، تتراكم ما يصفه مستهلكون وتجار بـ”السمعة السيئة” للحُلّي العراقية نتيجة غياب ختم الجودة.

وأظهرت مقابلات أجرتها “شبكة 964” مع تجّار وصاغة ومسؤولين حكوميين، أن مصوغات بيعتْ للزبائن على أنها عيار 21، تبيّن لاحقاً أنها أقل نقاوة بقيراط أو قيراطين، فيما تبادل الصاغة وجهاز التقييس والسيطرة النوعية اتّهامات بالتّهرب من ختم الحلي، لإثبات الجودة والنقاوة.

والقيراط هو وحدة قياس نقاوة الذهب، فحين يقال عن المصوغة أنها من عيار 24، وهي الأغلى في السوق، فهذا يعني أنها تحتوي على 24 جزءاً من الذهب، الذي يخلط عادةً بمعادن أخرى لضمان صلابته.

وبعد أكثر من 10 مقابلات، بدا أن عمليات الغش التي تجري على الذهب العراقي تحقّق هامش ربح يصل إلى 2500 دولار للكيلو الواحد من الذهب، رغم خسارة التجار نحو 12 دولاراً في القيراط الواحد.

واتّفق مسؤول سابق في جهاز التقييس والسيطرة النوعية، مع خبير في دار بغداد للسبائك، وهي تشكيل نقابي يجمع خبراء وتجاراً عراقيين، على أن تجار الذهب يفضّلون تحقيق الأرباح من المصوّغات الرّديئة على حساب سمعة الذهب العراقي في المنطقة.

المغشوش مربح.. الجودة تخسر

يقول الصائغ مهند العلي، صاحب مجوهرات “السيدة” في منطقة المنصور ببغداد، إن “ورش الصياغة التي تذهب لفحص مصوغاتها لدى جهاز التقييس قليلة، كما أن السوق العراقية تفتقر إلى معامل تنتج موديلات حديثة ودقيقة الإنجاز وفق ما يسمى بالفنش الجيد”.

وبحسب صائغ آخر، فإن “الذهب العراقي لم يخضع منذ عام 2003 لفحص جهاز التقييس والسيطرة النوعية، ما سمح بتفشي عمليات الغش وانتشار المصوغات الرديئة في السوق”.

ويستدل على الذهب النقي غير المغشوش من ختم “الثور المجنّح” المعتمد لدى جهاز التقييس السيطرة النوعية، الذي يختم الفضة أيضاً بـ”خارطة العراق”.

ويتّفق عدد من صاغة وتجّار الذهب في المنصور والكاظمية على أن ضعف الرقابة من أهم أسباب انتشار المصوغات الرديئة، لكنهم يقرّون بأن أصحاب الورش لا يتعاملون مع جهاز التقييس والسيطرة النوعية لتفضيلهم الأرباح التي يحصلون عليها من الغش على ما يقابلها من أرباح بيع المصوغات المختومة.

وتظهر عمليات فحص الذهب في جهاز التقييس والسيطرة النوعية أن جودة الذهب الذي يقدّمه أغلب الصاغة والتجار العراقيين هي أقل من الجودة التي يفترض أن يكون عليها، إذ أن أغلب الذهب المقدّم على أنه من عيار 21 قيراط على سبيل المثال يتّضح بعد الفحص أنه 20 أو حتى 19 قيراط.

ويتبادل أصحاب الورش من جهة وممثلي جهاز التقييس والسيطرة النوعية من جهة أخرى الاتهامات حول صحة نتائج الفحص، إذ يزعم أصحاب الورش أن الجهاز هو من يغش العينات، بينما يرد الأخير بأن هذه التهم “كيدية هدفها التغطية على عمليات مشبوهة تجري في بعض الورش”.

وفي الحالات العادية يتعامل الجهاز مع هذه العيّنات من الذهب أما بإتلافها أو إعادتها إلى أصحابها لمعالجتها أو منحها تقييماً متدنياً، من خلال ختمها بمعيار جودة أقل.

ويقول مرتضى، وهو صائغ وصاحب مجوهرات في بغداد، إن “الكثير من أصحاب ورش الذهب يتلاعب بنسبة العيار لتصبح 20 أو 19 قيراطاً بدلاً عن 21 وهذا الأمر بدأ بالانتشار بعد عام 2003 بسبب عزوف الصاغة عن إرسال الذهب الذي يمتلكونه إلى جهاز التقييس والسيطرة النوعية لمخاوف أمنية”.

كما يؤكد الصائغ، أن “المخاوف من التلاعب بمعيارية الذهب في جهاز التقييس والسيطرة النوعية حالت دون إرسال الصاغة للذهب إليها”.

ورش سرية خارج السيطرة

في المقابل، يكشف مدير قسم وسم المصوغات في جهاز التقييس، مصطفى سعد خزعل، لـ”شبكة 964″، أن “الكثير من الورش تعمل في الخفاء وتقوم بتصنيع مصوغات ذات عيارية مخالفة لقانون وسم المصوغات”، مؤكّداً أن “الجهاز رصد العديد من الحالات سواء من النماذج التي يتم سحبها من محلات الصاغة وورش التصنيع أو من الكميات الواردة للقسم لغرض الفحص والوسم”.

وأسفرت عمليات الفحص التي ينفذها جهاز التقييس، عن رصد مصوغات عراقية ومستوردة مغشوشة جاءت من ورش منزلية، لكن السيطرة عليها أمر صعب للغاية، وفقاً لما ذكره مدير قسم وسم المصوغات.

وتشمل إجراءات جهاز التقييس والسيطرة النوعية على حجز الكميات المغشوشة وتكسيرها من قبل الفاحصين، فيما يُنذر الصائغ بكتاب رسمي لاستدعائه لمقر الجهاز مع كمية من الذهب تقدر بكيلو غرام واحد لغرض الفحص والوسم.

ويجري جهاز التقييس والسيطرة النوعية، جولات دورية لمداهمة ورشات صناعة الذهب لفحص الذهب بطريقة عشوائية، حيث يضع الجهاز وسمه على الذهب الذي يتم التحقق من جودته.

ويبلغ سعر مثقال الذهب العراقي المختوم بختم المؤسسة 340 ألف دينار للمثقال الواحد وهو مساوٍ لسعر الذهب المستورد، في حين يبلغ سعر الذهب العراقي غير المختوم 310 ألف دينار فقط.

غير أن الكثير من الصاغة والتجار وأصحاب الورشات يفضل خسارة هذا الفرق لتمرير ذهبه المغشوش، والذي يصل هامش الربح فيه إلى 2500 دولار أمريكي لكل كيلوغرام.

ويقول مصطفى خزعل، إن “الجهاز يوقع الصائغ المتلاعب على تعهد يقضي بعدم عرضه المصوغات المغشوشة، بينما تقوم فرق الجهاز بمباغتة محله بين فترة وأخرى، وفي حال تكرار المخالفة يحال الصائغ إلى المحاكم.

محيط جهاز التقييس ليس آمناً

لكن الصاغة يقدّمون مزاعم تتعلّق بـ”مخاوف أمنية من عصابات تنشط قرب مقر جهاز التقييس في بغداد” تحول دون إرسال الصاغة لذهبهم من أجل الفحص هناك.

ويقول الصائغ عباس فاضل، أحد الصاغة في سوق الكاظمية، إن “القانون قبل عام 2003 كان يلزم صاغة الذهب وتجّاره وأصحاب الورشات بإرساله إلى جهاز التقييس والسيطرة النوعية ليختمه”، وعادة ما تتم العملية خلال اليوم نفسه من خلال فحص عينة عشوائية.

وحتى عام 2005، تجنّب الصاغة إرسال ذهبهم إلى الجهاز بسبب الاضطرابات الأمنية المتكرّرة في محيط مقرّه الكائن بمنطقة الجادرية وسط بغداد، وفي السنوات اللّاحقة استمرّ الحال على ما هو عليه، كما يدّعي صاغة تحدّثت إليهم “شبكة 964″، بسبب نشاط عصابات منظّمة كانت تنتظر الصاغة يخرجون من الفحص لتسليب مصوغاتهم.

ماذا عن الذهب المستورد؟

ويكشف المختبر الوحيد لفحص المصوغات الذهبية في السوق المحلية ببغداد والتابع لدار بغداد للسبائك الذهبية، أن عمليّات الغش تفشّت بشكل واسع في العراق، بل إنها متفشية في الدول المجاورة التي باتت ترسل بضائعها إلى العراق بوسائل مختلفة، والهدف تحقيق أرباح خيالية لا توفّرها تجارة الذهب السليم.

ويقول حيدر العامري، مدير دار بغداد للسبائك الذهبية، لـ”شبكة 964″، إن “الذهب العراقي كان مضرباً للمثل في جودته ونقاوته، غير أن الفحوصات الحالية تظهر تراجعاً في عاملي الجودة والنقاوة لغياب الرقابة الصارمة”.

ويؤكّد العامري، أن “عمليات الغش المنظّم لم تعد تقتصر على الذهب العراقي حيث أن فحص العيّنات الموجودة في السوق يظهر أن الذهب المستورد هو الآخر يتعرّض لهذا النوع من العمليات”.

ويضيف العامري، إن “مختبره يستقبل العشرات من الزبائن الذين يرغبون بفحص المصوغات الذهبية التي يمتلكونها أو التي يريدون التأكد من جودتها”، مبيّناً أن الكثير من التعاملات تنتهي إلى المحاكم”.

وتنظر المحاكم العراقية في الكثير من الدعاوى القضائية الخاصة بعمليات الغش غير أن وقوف عصابات دولية وراء هذه العمليات يصعّب كثيراً من حلّها، وفقاً لما ذكره المسؤول في دار بغداد للسبائك.

من جانبه، يكشف خبير سابق في جهاز التقييس، رفض الكشف عن اسمه، أن المشكلة تتمثل في غياب الرقابة على الذهب الخام العراقي والمستورد في المنافذ الحدودية، والتي كانت عاملاً حاسماً في ضبط الجودة قبل 2003، لكن تراجع الرّقابة إلى حد غيابها التام مكّن الذهب المغشوش من فرض سطوته على السوق المحلية”.

أثّرت هذه العمليّات بالنتيجة على مستوى الطّلب لشراء الذهب العراقي مقابل ارتفاعه للمستورد الذي بات يحظى بسمعة إيجابيّة تتمثّل بكونه ذهباً مفحوصاً في مختبرات الإمارات وتركيا وغيرهما، على الرغم من أن الذهب الذي يستورد من هذه الدول بات ضمن دائرة الشك باحتمال تعرّضه لعمليات غش منظمة.

واستند هذا التقرير إلى معلومات جمعتها شبكة مراسلي “شبكة 964” المنتشرة في عموم البلاد عن مؤشّرات سوق الذهب، كان الفارق في معيارية نقاوة المصوغات قاسماً مشتركاً يين الأسواق التي شملتها التغطية.

اقرأ أيضاً:

السيطرة النوعية: نلاحق ورشاً سرية تزيّف الذهب العراقي والمستورد.

الذهب العراقي ينقص قيراطا بعد الفحص.. عيار 21 يسجل 20!.

Exit mobile version