ميسون الشاهين – 964
انخفض إنتاج العسل في مناحل الوسط والجنوب، تأثراً بجفاف العامين الماضيين، واضطر نحالون إلى البحث عن مصادر رحيق بديلة، مثل أشجار “السدر” التي تنتشر في المدن الدافئة، و”الكالبتوس” المتفرقة، لكن المخاوف من “ضياع” أسراب النحل تعيق جهودهم، بعد أن كانوا يعتمدون على الحقول الثابتة لمحاصيل مثل أزهار عباد الشمس والسمسم.
ماذا حدث؟
يقول نحالون من مدن مختلفة، جنوب البلاد، لشبكة 964، إن خلية النحل الواحدة باتت في أعوام الجفاف، لا تنتج أكثر من 10 كغم من العسل سنوياً، وهو أقل بنحو 80 في المئة من معدل الإنتاج، قبل موسم الجفاف.
ويؤكد رئيس جمعية نحّالي العراق، علوان المياحي، لشبكة 964، إن إنتاج العسل في العراق انخفض بنحو 40 في المئة، عن السنوات السابقة.
ويبلغ إنتاج عسل شجرة السدر المميز والأغلى ثمناً، في عموم العراق نحو 9 أطنان، بحسب المياحي.
وبحسب مهندسين زراعيين، فإن انحسار حقول عباد الشمس والسمسم في بادية الوسط والجنوب، دفع النحالين للبحث عن مصادر رحيق بديلة، مثل أزهار “الكالبتوس” و”السدر” لتغذية النحل، إلى جانب البرسيم والحمضيات.
خلفية
تقول مصادر رسمية ونقابية مختلفة، إن أعداد خلايا النحل المسجلة بشكل رسمي في العراق مطلع السبعينات كانت تفوق 500 ألف خلية، لكنها انخفضت خلال الحرب العراقية الإيرانية، ثم مع حرب الخليج الثانية خسر العراق معظم المناحل.
وبحلول عام 2006، استعادت المهنة عافيتها تدريجياً، واستعادت المناحل نشاطها وارتفع العدد إلى 350 ألف خلية، لكن مع بدء أزمة الجفاف قبل عامين وتفاقم ظروف التغير المناخي، تعرضت صناعة العسل إلى ضربة موجعة.
يقول مدير قسم النحل في وزارة الزراعة، هاشم الزهيري، لشبكة 964، إن العراق يمتلك حالياً 180 ألف خلية فقط، وإن إنتاج العسل الكلي يبلغ نحو 870 ألف طن.
كيف بدأت الأزمة؟
يقول نائب رئيس جمعية نحّالي الديوانية، جواد العيساوي، لشبكة 964، إن “الجفاف أثر بشكل كبير على النباتات الزيتية في بادية الجنوب، مثل السمسم وعباد الشمس، التي تراجعت بشكل كبير”.
ولجأ بعض النحالين إلى أشجار الكاليبتوس، إلى جانب أزهار شجرة السدر التي لا تتركز في بساتين كبيرة، إلا قرب شواطئ البصرة وفي بعض المشاريع الاستثمارية المتفرقة.
يقول رئيس جمعية نحّالي ديالى، سرمد التميمي، لشبكة 964، إن “توجيه النحل إلى أشجار السدر المتفرقة، بين المنازل والشوارع، مخاطرة كبيرة بسبب ضياعها خلال محاولة النحل البحث عن الضوء ليلاً” للعودة إلى المناحل.
وتفقد أسراب النحل قدرتها على إنتاج العسل، كلما انخفض عدد الأزهار في المناطق التي تنتشر فيها، كما أن الجفاف والعواصف الترابية أعدم الكثير منها في الوسط والجنوب.
ورغم ذلك، فإن النحالين في ظل ظروف الجفاف، يبحثون عن مزيد من البدائل مثل أشجار الحمضيات والشوكيات، بعد انحسار حقول السمسم وعباد الشمس.
ويؤكد التميمي، أن النحالين العراقيين لا يهاجرون إلى إقليم كردستان لتربية النحل، لكن مربي النحل من ديالى حتى كردستان، ينتقلون بخلاياهم بين جبال الشمال وسهول المنطقة الوسطى، في فترات محددة خلال المواسم، ويتعقبون تفتح الأزهار البرية، ثم يعودون إلى مناطقهم.
ويوضح هاشم الزهيري من وزارة الزراعة، إن نحالين يأتون من إقليم كردستان أيضاً، نحو الوسط والجنوب سعياً وراء الغطاء النباتي لأشجار الكاليبتوس والسدر، ضمن عملية الانتقال الطبيعي بين المناحل.
البرسيم بدل الحمضيات
في بساتين منطقة الحسينية، شمالي كربلاء، يقول النحالون إنها ليست أفضل أيام إنتاج العسل، لكن رغم هذا، فإن محاولات التكيف تثمر، ولو بشكل محدود.
النحال الشاب نبيل توفيق، يقول لشبكة 964، إن “تجريف البساتين وتحويلها إلى أرض سكنية ساهم بتراجع أعداد الأشجار التي يفضلها النحل، وعلى رأسها الحمضيات، فالعسل المنتج من أزهار البرتقال والليمون وغيرها، يمتاز عن غيره بالجودة، وقد تعرضت الحمضيات في الحسينية إلى موجات أوبئة قلّصت الأعداد، وانعكست بشكل كبير على إنتاج العسل”.
أزهار الأشجار الأخرى مثل المشمش والگوجة والتوت، عمرها قصير، ويمكن القول، إن لا شيء يرضي النحل ويكفيه، مثل أشجار الحمضيات، “لكن البرسيم يمثل حلاً آخر، ولذا بتنا نعتمد عليه بشكل أساسي في إنتاجنا”، يضيف توفيق.
عسل مخلوط بالسكر
تقول نازك إبراهيم، وهي مهندسة زراعية وصاحبة منحل، لشبكة 964، إن غالبية النحالين في الجنوب يواجهون صعوبة في تصريف العسل الذي ينتجونه، بسبب سيطرة المستورد الأرخص ثمناً والأقل جودة، ورغم أنه “مخلوط بالسكر والمطيبات لكنه يلقى رواجاً بين الناس”.
ويوضح جواد العيساوي من جمعية نحّالي الديوانية، أن غالبية العسل المستورد مغشوش، كما أن ما يباع عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليس عسلاً بل محاليل سكرية رخيصة الثمن”.
يكافح النحالون العراقيون لإنتاج عسل طبيعي، ويقول كثير منهم، إن الأمر بات تحدياً لمواجهة تشوّه ذائقة الناس، واعتيادهم على العسل المخلوط بالسكر والمطيّبات، لكنهم يقولون إن إنتاج عسل عراقي خالص، بكميات تغطي حاجة السوق، ليس هدفاً مستحيلاً.
ويجمع النحالون الذين تحدثوا لشبكة 964 أثناء إعداد هذا التقرير، على أن تخصيص دعم حكومي سيُحدث فارقاً في المعادلة التي تميل لصالح المستورد حتى الآن.