بغداد – 964
رغم أن الطقس الدافئ واعتدال درجات الحرارة، عوامل تجلب المتعة والشعور بالارتياح وفرصة لازدهار الزراعة وجذب الطيور المهاجرة وانتهاء فترة السبات لكائنات كثيرة، لكن ذلك يجلب البعوض أيضاً، حيث يبرز كأحد مصادر الإزعاج والأذى الشديد، وينقل الأمراض في الكثير من المناطق العراقية، خصوصا مع نقص في خدمات النظافة ورفع النفايات، وغياب مشاريع التدوير.
وتعاني مناطق كثيرة في البلاد، من انتشار البعوض والحشرات الزاحفة والطائرة، التي تسبب العدوى وانتقال الأمراض المعدية مثل الملاريا، وحمى الضنك، وغيرها، خاصة مع قرب حلول فصل الصيف.
وعندما يتعرض الانسان للدغة بعوضة تحمل الفايروسات أو الطفيليات أو الديدان المسببة للأمراض، فإنها تنقلها لداخل جسم الضحية عن طريق حقن اللعاب الذي يحتوي على الأحياء الدقيقة، عبر جلد الشخص.
الرأي العلمي
الخبير الزراعي، تحسين الموسوي، يقول، إن مناطق جنوب بغداد مثل بابل، والمثنى، والديوانية، وصولاً إلى المحافظات الجنوبية ذي قار وميسان، والبصرة، هي الأكثر عُرضة بسبب ارتفاع نسبة الملوّثات، نتيجة غياب وحدات معالجة المياه الثقيلة، وكذلك مخلفات المعامل التي ترمى في الأنهر، ما يزيد انتشار الحشرات، وكلما زادت المساحات المائية شبه الراكدة، ازداد البعوض بشكل جنوني كما في الأهوار.
وأضاف الموسوي لشبكة 964 أن “الاحتباس الحراري، والتغيّرات المناخية، واتساع رقع الجفاف، عوامل ساهمت بانتشار تلك الحشرات في هذه المنطقة” لأن “انخفاض مناسيب المياه جعل الملوّثات تبقى في الأنهر فترة أطول، بغياب تيار سريع يدفعها نحو دلتا النهرين في شط العرب والخليج”.
وتشير الأبحاث إلى أن إناث البعوض تهاجم الانسان لتتغذى على دمه، وتسبب ألما وقت ثقب الجلد، وتمتص الدم لیلاً حیث تكون نشطة، وأحياناً نهارا.
وتحتاج الأنثى للدم الذي يمدها بالطاقة والغذاء اللازم لتكوين البيوض داخلها، أما ذكر البعوض فلا يتغذى على الدم، ولكنه يتغذى على رحيق الأزهار وعصارة النباتات.
فترة الخصوبة
الخبير البيئي، أحمد صالح، أكد أن تكاثر الحشرات يبدأ في العراق، خلال موسم الربيع، الذي يمثل الفترة الخصبة بالنسبة لتلك الآفات، خاصة وأن السلطات الصحية، أهملت عمليات المكافحة، ما أدى إلى انتشار تلك الحشرات بشكل أكبر”.
وأضاف الخبير البيئي، لشبكة 964 أن منطقة الأهوار تعد من مناطق التكاثر الحشري القوية، وكذلك المبازل الموجودة على حدود المزارع الكبيرة.
ليس هناك، منطقة في العراق، يمكن الإقرار بشكل نهائي، بأنها منطقة التكاثر الحشري الأكبر، كما أن تحديد هذه المنطقة، يختلف من موسم لآخر لأنها متحركة، تبعاً للمستجدات البيئية، فمثلاً في محافظة ميسان، توجد أربع مناطق يمكن اعتبارها بؤرة تكاثر البعوض والحشرات بشكل عام، وهي الشيب، والنحالات قرب كميت، ومنطقة هور الصحين، ومقتربات هور الحويزة. وفق صالح.
ولفت إلى أنه “يمكن استخدام المبيدات المنزلية، والطرق الوقائية الأخرى، دون اللجوء إلى المكافحة بشكل عام”.
وتقوم وزارة الزراعة، بحملات مكثفة لمواجهة الحشرات بشكل عام، على مدار الموسم، إذ تمتلك 7 طائرات، لكنها خارج الخدمة، فيما استعانت هذا الموسم بطائرات من وزارة الدفاع، بعد إجراء بعض التعديلات عليها، لتناسب تلك المهمة.
ويُبدي الخبير البيئي، أحمد صالح، تحفظه على تلك الحملات، “فهي تُخل بالتوازن البيئي، إذ أن تلك الحشرات تساهم في نقل لقاحات الكثير من النباتات”.
وتقوم وزارة الصحة بالتعاون مع وزارات أخرى، لتنفيذ بعض الحملات لمكافحة البعوض والحشرات، داخل المدن، باستخدام مبيدات مختلفة.
وقال المتحدث باسم الوزارة، سيف البدر، لشبكة 964، أن “هذه الحملات تقوم بها وزارة الزراعة، وفروع البلديات في المحافظات، لكنها بمشاركة قسم الأمراض الانتقالية من وزارة الصحة”.
ومع حلول فصل الصيف، ينتشر البعوض أو ما يعرف محلياً ب “البَك” و”الحرمس” فيما يطلق بعض أهالي الأنبار، اسم “سمتية” على تلك الحشرة، كناية عن سرعتها، وشدة إصاباتها.
حملة مكافحة
في محافظة ميسان، التي تمثل إحدى البؤر الأساسية، أطلقت مديرية الصحة مؤخراً، حملة واسعة، استهدفت 11 حياً سكنياً، في مركز المدينة، لمكافحة البعوض.
وقال مدير قسم الصحة العامة، علي نوري لشبكة 964، إن “الحملة مستمرة، لكن من المستبعد أن تشمل مناطق الأهوار والبساتين البعيدة لصعوبة الوصول إليها، ولمساحتها الكبيرة”.
وتُنفذ تلك الحملات باستخدام سيارة بيك آب، جهازاً خاصاً، ينفث الدخان بغزارة، ما يساهم في كبح جماح تلك الحشرات.
مواجهة بالألوان
العام الماضي، كشفت دراسة نشرتها مجلة Nature العلمية، أن البعوض ينجذب إلى بعض النقاط الملونة لكنه يتجاهل ألواناً أخرى.
ووجد العلماء أن معظم البعوض ينجذب إلى الأحمر والبرتقالي والأسود والسماوي بينما يتجاهل الأخضر والأرجواني والأزرق والأبيض، فعندما أدخل باحث يده في غرفة من البعوض مرتدياً قفازاً أخضر، تجاهلته هذه الحشرات.
ومع ذلك، قد لا يكفي تجنب ألوان معينة لتجنب عضات البعوض. يقول الباحثون إن جلد الإنسان يبعث “إشارة” حمراء وبرتقالية زاهية للبعوض، ما يجعل من الصعب الاختباء من هذه الحشرات الطائرة تماماً.
في محافظة ذي قار، ازداد اقبال المواطنين هناك، خاصة سكان القرى والأرياف على جهاز طارد الحشرات الكهربائي، الذي يحمل أشعة قوية، لونها بنفسي، وفي حال انجذاب البعوض إليها، فإنها تصطاده مباشرة، بعد ملامستها لأسلاكها.
ويبلغ سعر هذا الجهاز، 20 ألف دينار، فيما لجأ آخرون إلى شراء الناموسية، أو ما يُعرف محلياً ب”الكلّة” لمواجهة هجمات البعوض.
