السكان لا يتحملون.. يحاولون الهرب

الضوضاء تبدأ في السابعة صباحاً.. “هيرتز” بغداد يخترق الحاجز العالمي 87 درجة

964 – رامي الصالحي

يستيقظ الحاج أبو علي الشمري (70 عاما)، صباح كل يوم، على صوت “ميّ آرو – مَيّ آرو”، القادم من مكبر صوت يدوي، موضوع على “ستوتة”، تحمل أوعية مياه بلاستيكية للبيع، في منطقة أبو دشير، جنوبي بغداد.

ويقول الشمري لشبكة 964 إن “طنين العاصمة بغداد يبدأ تقريباً من الساعة السابعة صباحاً، وحتى وقت متأخر من المساء، ما يسبب التوتر والانزعاج المستمرين، في ظل الكثافة السكانية في عموم مناطق العاصمة”.

ويضيف الشمري، “الاستيقاظ بالنسبة لي أصبح مفروضاً عند الساعة السابعة أو الثامنة، على صوت الباعة المتجولين، الذين لا يتعمدون هذا الضرر، باعتبارهم يبحثون عن رزقهم، لكن المسألة تتعلق بالواقع العام، وإجراءات الحكومات تجاه الطبقات الهشّة”.

تختلف مصادر الضوضاء في العاصمة بغداد، بين أصوات المولدات الأهلية المنتشرة في الأحياء، والسيارات، والدراجات الرياضية، وضجيج الورش المنتشرة في المناطق السكنية، فضلاً عن أصوات البائعة المتجولين، مثل “تصليح طباخات، غاز غاز، عتيك للبيع، ماء آرو”.

حلقة لا تنتهي

أبو مريم (44 عاماً)، من سكنة منطقة الحرية، شمالي بغداد، قال إن “انتشار البائعين المتجولين وما ينتج عنهم من ضوضاء ظاهرة غير حضارية، وتسبب الإزعاج المستمر للعائلات في بغداد”.

ويضيف خلال حديثه لشبكة 964، “دائماً ما أفكر في تغيير المنطقة التي أسكنها بسبب الإزعاج المتواصل. في كل مرة أتراجع عن القرار لأن أغلب المناطق تعاني من التلوث السمعي الذي تعاني منه منطقة الحرية”.

“أكثر ما يزعجني، أن الباعة المتجولين يعملون بالتناوب؛ يأتي بائع الماء وينادي (مَيّ آرو) باستمرار، وما أن ينتهي ويذهب يأتي بائع الخضراوات، وبعدها بائع الأسماك، وبائع الغاز، وكل بائع منهم لديه جملة معينة يكررها”، يقول أبو مريم.

ويرد أحد باعة الغاز، علي فاضل، قائلاً: “كيف نخبرهم بقدومنا، وهم يعتمدون علينا في توفير هذا المنتج (…) حاولنا تخفيف الضجيج، واستبدلنا الطرق على الأسطوانة بموسيقى، وعادة ما تكون أنغاماً محبّبة، مثل شارة مسلسل ذئاب الليل، أو مسلسل النبي يوسف”.

ويرى فاضل، في تعليقه لشبكة 964 أن “تشغيل بعض الباعة الموسيقى الصاخبة والأغاني الحماسية مثل (جيناك بهاية)، أو (نحن لا نهزم) لا يمثل جميع باعة الغاز”.

بؤر الضوضاء في بغداد

خلال السنوات الماضية، احتلت العاصمة بغداد مراكز متقدمة ضمن لائحة العواصم الأسوأ في العالم، بسبب غياب فرص الرفاهية والحياة المريحة، وانعدام التخطيط العمراني وانتشار العشوائيات، إلى جانب التلوث السمعي الذي أصبح صفة تلازمها.

يقول الأكاديمي والباحث في جامعة المستنصرية، منعم حكيم، الذي سبق أن أجرى دراسة عن الظاهرة في بغداد، إن “الضوضاء تتأثر بفصول السنة؛ إذ تزداد في بغداد صيفاً وتقل في الشتاء”.

ويضيف حكيم، لشبكة 964، أن “المقياس العالمي لمستوى الضوضاء يُسجل عندما تتجاوز ترددات الصوت 90 هيرتزا، وهو ما موجود في بغداد”، مؤكداً أن “المولدات الأهلية والحكومية هي أبرز الأسباب وراء الضوضاء في العاصمة”.

ووفقاً لحكيم، فإن المناطق التجارية والصناعية هي الأكثر تسجيلاً للضوضاء في العاصمة مثل الشورجة، وبغداد الجديدة، وما حولها، وكذلك المناطق التي تكثر فيها المصانع، وهي ما تسمى ب “بؤر الضوضاء”، مشيراً إلى أن “نسب الضوضاء ازدادت خلال السنوات القليلة الماضية لكثرة الأعمال الانشائية، وارتفاع أعداد السيارات، فضلاً عن ارتفاع نسب السكان إلى أكثر من 5 ملايين نسمة خلال السنوات ال10 الأخيرة”.

ويشير حكيم، إلى أن “الدراسة السابقة أجريت لعامي 2008 – 2010، وسجلت أعلى نسبة، بمقدار 87 ديسبل (وحدة قياس الضوضاء)، وكانت لمناطق محدودة، لكن الآن اتسعت هذه المناطق خصوصاً المناطق الصناعية والتجارية”.

وتابع، “أي منطقة تكثر فيها المزروعات تكون أقل ضوضاء، لأن النباتات تمتص الترددات الصوتية، وبالتالي فإن مناطق حزام بغداد والتي تضم بساتين ومزارع هي أقل ضوضاء مقارنة بالمناطق الصناعية”.

“وحيف” المولدات

وتعتبر ظاهرة انتشار المولدات الأهلية بين الأحياء والأزقة السكنية أحد أبرز الأسباب التي تقف وراء “التلوث السمعي”، في العاصمة بغداد.

ويقول معاون محافظ بغداد لشؤون الطاقة قيس الكلابي، في حديث لشبكة 964، إن “المحافظة شكلت فرقاً لمتابعة عمل وأداء المولدات الموجودة في العاصمة من ضمنها ظاهرة الضوضاء التي تنتج عنها في الأحياء السكنية”.

ووفقاً للكلابي، فإن “العديد من الشكاوى ترد المحافظة بشأن عدم التزام المولدات الأهلية بالتعليمات والقرارات”، مؤكداً أن “الفرق تتعامل مع هذه الشكاوى التي تتضمن قضية الأصوات المزعجة التي تنتج عنها بشكل يومي”.

ويشير مصدر مسؤول في محافظة بغداد، خلال حديثه لشبكة 964،إلى أن “هناك نحو 13500 مولدة (أهلية وحكومية)، منتشرة في عموم مناطق العاصمة؛ أكثر من 2500 حكومية وقرابة 11 ألفاً أهلية”.

الدراجات والسيارات

ويشكو مواطنو بغداد من انتشار السيارات والدراجات الرياضية التي يصدر عنها أصوات مزعجة، وتُسبب الخوف لدى الأطفال، حسب وصفهم، فيما تدخلت مديرية المرور مؤخراً، لكبح تلك الظاهرة.

وقال المتحدث باسم مديرية المرور العميد زياد القيسي، إن “المديرية بناءً على توجيهات عُليا جديدة صدرت قبل أيام قليلة، قررت التعامل مع السيارات والدراجات التي تصدر أصواتاً مرتفعة وفقاً لقانون المرور للحد من ظاهرة الضجيج”.

وفي حديث لشبكة 964، أوضح القيسي أن “السيارات ذات المحرك (8 سلندر) والذي يكون حجمه (5600) حصان فما فوق، تُعامل على أنها سيارات رياضية، ولا يتم فرض عقوبات بحقهم حتى وإن أصدرت أصواتاً إلا في حال أجرى السائق تعديلات أو تعمد إزعاج المواطنين من خلال الاستعراض”.

ويشير القيسي، إلى أن “المديرية قررت معاقبة السيارات التي تملك محركاً أقل من 6 سلندر وتحتوي تعديلات يصدر عنها أصوات مزعجة”، مبيناً أن “العقوبات بحق هذه الأنواع من السيارات تصل إلى حجزها لمدة 5 أيام مع غرامة مالية تصل إلى 100 ألف دينار”.

ويحاسب قانون المرور رقم 80 لسنة 2019، بغرامة مالية قدرها 50 ألف دينار كل من يستخدم جهاز التنبيه الهوائي أو متعدد النغمات أو المشابه لأصوات الحيوانات أو وضع مكبرات الصوت أو الصفّارات التي تزعج مستخدمي الطريق.

قوانين صارمة.. دون تنفيذ

وصوت البرلمان العراقي، عام 2015 على “قانون السيطرة على الضوضاء”، والذي تضمن محاسبة الأشخاص الذين يتعمدون إصدار الأصوات المزعجة في الأحياء السكنية، لكن وفقا للخبير القانوني علي التميمي، فإن الأجهزة الأمنية ليس لديها علم ببنود وفقرات هذا القانون.

ويقول التميمي، في حديث لشبكة 964، إن “القانون أعلاه يحاسب جميع مثيري الضوضاء كمعامل الحدادة والنجارة، والمحال التي تملك مكبرات الصوت والأجهزة الصوتية المرتفعة والتي تسبب ازعاجاً للمواطنين”.

وبحسب التميمي، فإن القانون يفرض غرامة مالية تصل إلى مليون دينار عراقي لكل من يحدث الضوضاء في الأماكن العامة، مؤكداً أن “العاصمة بغداد تعاني الآن من انتشار حقيقي لظاهرة التلوث السمعي وسط عجز حكومي عن محاسبة المخالفين والمتسببين لهذه الضوضاء”.

ونص قانون السيطرة على الضوضاء، على عدم إطلاق أصوات المنبهات من المركبات كافة أو غيرها، إلا في الحالات التي يتطلب فيها تدارك وقوع حادث، وتلك التي يجيزها القانون مثل سيارات الطوارئ، فضلاً عن حظر تشغيل وسائل البث في الأماكن العامة والخاصة التي تزعج الآخرين، إضافة إلى منع تشغيل مكبرات الصوت بأنواعها داخل الأماكن العامة إلا بإجازة من الجهات المعنية.

وحظر القانون العراقي استمرار عمل النشاطات الحرفية التي ينجم عنها ضوضاء في المناطق غير الصناعية, بعد الساعة (التاسعة مساءً ولغاية الساعة السابعة صباحاً)، فضلاً عن منع إنشاء ورش الحدادة والنجارة داخل المناطق السكنية، إلا في أبنية وعمارات خدمية خاصة بها.

Exit mobile version